حضور الحكمة في الخطاب الملكي
بقلم الأستاذ مراد أحتي باحث في القانون العام والعلاقات الدولية
لقد جاء خطاب العشرين من غشت بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب، ليؤكد أن المغرب الذي تستهدفه ماكينة العداء العسكري لقصر المرادية، ماض في مسيرته التنموية، على لبنات الميثاق الوطني للتنمية، الذي يمتح من شرعية النموذج التنموي الجديد.
و لقد أكد صاحب الجلالة، على عدة رسائل واضحة همست بصوت شجاع في أذن كل أعداء الوحدة الترابية للمملكة الشريفة. والخطاب جاء محملا بلغة واضحة تنتصر لعلاقات حسن الجوار مع الأصدقاء التقليديين للمغرب، من ضفة الحوض المتوسطي؛ حيث إن مستقبلا مشرقا ينتظر العلاقات بين المغرب واسبانيا التي أساءت الكرم المغربي، بارتكابها خطأ جسيما تمثل في استقبال بن بطوش زعيم الانفصال المسنود من ادم عسكر الفتنة الإقليمية .
لقد تميز الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، بإدراك عميق وفهم سياسي دقيق، للأحداث السياسية والديبلوماسية الأخيرة، التي تشهدها المملكة في علاقتها ببعض الدول المعروفة بعدائها للوحدة الترابية للمغرب، بما فيها الشركاء التقليديين وفي مقدمتهم فرنسا، التي لم تفهم أن المغرب لم يعد دولة تابعة للمركز الكولونيالي التقليدي، بقدر ما أصبح دولة صاعدة و قوة إقليمية ذات امتداد على قاعدة رابح رابح على طول الجغرافيا الإفريقية. ويظهر من الخطاب بشكل جلي أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أكد على أننا مقبلون كمغاربة على الاستحقاقات بإجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية؛ مشيرا إلى أن هذه الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية ومشروعية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن وتحفظ للمغرب تميزه الذي يفتقر إليه الجار الشرقي الذي ضاق درعا بالتقدم الكبير الذي حققه المغرب على كل المستويات .
لقد قدم صاحب الجلالة في خطابه الملكي السامي، مجموعة من الرسائل السياسية الصريحة، والقوية موجهة إلى أعداء الوحدة الترابية، وعلى رأسها الجزائر التي وجهت اتهامات باطلة للمغرب بعدما فشلت في الاتهامات الأولى على مستوى تجسس البيكاسوس، حيث أكد العاهل المغربي على أن المغرب مستهدف لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا، بعد تأسيس الدولة الإدريسية التي خلقت لحمة فريدة، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل الذي يجعل الأرض المغربية أرضا للملكية عبر التاريخ، وتتولى أمورها ملكية مواطنة دامت لأكثر من أربعة قرون بفضل حنكة ووفاء المغاربة الحكم العلوي الشريف الممتد إلى الدوحة النبوية العطرة، والذي سيحكم المغرب بحكمة وتبصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، منذ أزيد من أربعة قرون في ارتباط قوي بين العرش والشعب، في رسالة واضحة للجزائر التي ليس لها تاريخ كنظام سياسي قائم بذاته حيث كان خلال الأمس القريب إيالة تابعة الحكم العتماني بإسطنبول .
وقد أكد الخطاب الملكي السامي بشكل صريح، لأعداء الوحدة الترابية للمملكة على أن المغرب معروف بسمعته ومكانته، وتعدد شركائه دوليا بفضل مصداقيته، التي لا نقاش فيها، وبشبكة علاقات واسعة وقوية، ويحظى بالثقة والمصداقية أمميا وهو ما يفند مزاعم كل المشككين في الأجهزة الأمنية المغربية خاصة انهيار الأسطوانة المشروخة لمنظمة العفو الدولية و لصحافة القصص الممنوعة، على الصعيدين الجهوي والدولي، بالرغم من كونه يتعرض لعملية عدوانية مقصودة تتجلى في عدة هجمات تم شنها من قبل دول ومنظمات معروفة بعدائها للمغرب نظرا لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار التي لا تقدر بثمن خاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم .
إن الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، يعبر عن حكمة المؤسسة الملكية بالمغرب، ففي السياق الذي رأينا فيه بعض الأنظمة السياسية تفقد رصانتها وتتصرف بعبثية وبؤس همجي يحن إلى زمن الحرب الباردة، بعيدا عن مبادئ الديبلوماسية كما هي متعارف عليها دوليا كالذي حدث في قضية » بن بطوش » من طرف اسبانيا وبجواز سفر مزور، وكالذي رأيناه من قبل الجزائر لاسيما في الاتهامات المجانية الأخيرة للمغرب بالتسبب في اندلاع حرائق تيزي وزو وبجاية وسكيكدة وسطيف .. حيث جاءت المؤسسة الملكية مجددا بخطاب استراتيجي سامي يراعي مصلحة الشعب المغربي كما يراعي أيضا مصلحة المغرب الكبير، الذي يعيش ارتباكا بسبب توتاليتارية العسكر السياسي المتحكم في قرارات قصر المرادية، وبعيدا كل البعد عن الانزلاقات العبثية المتكررة لدولة الجزائر التي أصيبت بعقدة المغرب .
لقد أكد صاحب الجلالة في خطابه السامي، أن أعداء الوحدة الترابية للمملكة ينطلقون من مواقف جاهزة مبينا أنهم لا يريدون أن يبقى المغرب حرا وقويا ومؤثرا في القارة الإفريقية، وعلى الصعيد الأممي. كما أكد على أن بعض قيادات الدول لاسيما الدول الأوروبية لم يستوعبوا بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم التي تعيش على الماضي ولا تستطيع أن تساير التطورات، وهي رسالة قوية ومباشرة من عاهل المغرب إلى الدول الأوربية مفادها أن مغرب اليوم مختلف عن مغرب الأمس، وينبغي لها أن تساير التطورات التي أصبحت تشهدها الساحة الدولية خاصة على مستوى مكانة المغرب الصادرة إقليميا وإفريقيا، مؤكدا لأعداء الوحدة الترابية أن عليهم استيعاب أن قواعد التعامل تغيرت جذريا و أن المغرب لم يعد يقبل أي تطاول على حقوقه التاريخية .
أما في علاقة المغرب بإسبانيا فالعاهل المغربي كعادته دعا إلى تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا، عبر عن نظرة ملكية استشرافية صادقة ومتفائلة لمواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية ، ومع رئيسها السيد « بيدرو شانسيز » الذي نتوقع أن يستجيب لنداء الملك في غضون القريب من الأيام ، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة قوامها التفاهم المشترك على هدف رابح رابح ، في العلاقات بين البلدين، حيث دعا العاهل المغربي إلى بناء العلاقات المغربية الاسبانية على أسس الثقة والشفافية، والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات، على منوال علاقات الشراكة والتضامن بين المغرب وفرنسا التي تسترعي ترميما من لدن فرنسا، والتي تجمع العاهل المغربي مع فخامة رئيسها « إيمانويل ماكرون » علاقات صداقة جيدة و استثنائية، وفي هذا السياق أكد صاحب الجلالة على أن » وهو نفس المنطق، الذي يحكم توجهنا اليوم، في علاقتنا مع جارتنا إسبانيا . صحيح أن هذه العلاقات مرت، في الفترة الأخيرة، بأزمة غير مسبوقة، هزت بشكل قوي الثقة المتبادلة، وطرحت تساؤلات كثيرة حول مصيرها. غير أننا اشتغلنا مع الطرف الإسباني، بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية. إنه جواب ملك شامخ ومتمرس جدا في حقل الدبلوماسية حيث يجعل كل العبارات المستعملة دقيقة و توزن بالقسطاس المستقيم .
وعلى سبيل الختم وبكل ثقة ملكية منقطعة النظير، أكد صاحب الجلالة على أن مؤامرات أعداء الوحدة الترابية للمملكة، لا تزيد المغاربة إلا إيمانا وإصرارا على مواصلة الدفاع عن وطنهم ومصالحه العليا، وفي السياق نفسه أكد صاحب الجلالة على أنه سيواصل المسار، أحب من أحب وكره من كره، رغم انزعاج الأعداء، وحسد الحاقدين، في رسالة واضحة جدا لأعداء الوطن شرقا بما يبين لهم أن المغرب ملكا وشعبا ماض في مسار التنمية والإصلاح المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي رغم كل مؤامرات ودسائس الأعداء.
و ختاما لقد نجح المغرب بفضل حكمة ملك ناضج و حكيم و منتصر لخطابات العقلانية والذكاء الاستراتيجي، عكس الطغمة العسكرية التي تضرب الأخماس بالأسداس وتعمق جراح الشعب الجزائري الشقيق يوما عن يوما. ونعتبر خطاب صاحب الجلالة خطاب ملك عظيم وحكيم و أقوال الحكماء منزهة عن العبث .
مقال جيد يعكس ندى تمكن صاحبه من فك رموز خطاب الملك نصره الله