الغيبوبة بيضاء
فؤاد الجعيدي
أحلم بكون لا وجود له، والناس فيه لا يتآمرون ولا يتنابزون ولا يحتالون على أرزاق غيرهم .
في هذا العالم، الذي ظلت بعض من بصماته، ساكنة وجداني.. أتذكره حين تصيدني ذاك الشيطان الصردي، وصاغ لي حزمة من الأوهام، حتى صرت أدور حول نفسي وحول المدينة وبذلك يتعاقب، ليلي ونهاري، وظننت إثما أن الثورة قادمة من أحراش البدو.
نسيت درب السلطان والمدينة القديمة والبحر ومعارك الرجاء والوداد والرصاص الذي اخترق الحيطان والرؤوس سنة 1981.. يوم أن أخذني الشيطان اقتربت أكثر من سلالة الصردي ومن القطيع.
كان الشيطان ودون ملل يدافع عن صرديته، ويقول دوما أن هذه العينة من الخرفان تزاوج جدها الأول بغزال بري.. لم تكن حالة اغتصاب.. ما حدث كان في الربيع، على الحقول الشرقية غير بعيد عن دار الشافعي الذي لم يشفع لأحد حين أخذ كل الحقول وضمها لصدره، وأبقى على الناس خدما وحاشية.
كان لابد من الوقت لأكتشف أن كل الثورات التي لا تكتمل، تأتي في الربيع.. ربما لانشغال الطبيعة بمظاهر التكاثر..
لكن شيطان الصرديين، كان يكره التكاثر يخاف منه، ويخاف الجماعة إن عادت إلى حكاية الغزال، لن تقتنع بتلك الأسطورة، بل سيتأكد لها أنها قطيع .. قطيع مثل قطعان البراري..
صار الصردي، قوي البنية، ثم تخلص من كل الالتزامات حتى تلك التي يأخذ عنها أجرا في نهاية كل شهر، كما غدا يتخلص في محيطه، ومن كل واحد بدت عليه علامات الرشد، لأن الصردي يخاف على فحولته وعلى من سينافسه على النعاج..
في كل محطة يرى الناس الصردي، قادما من حظيرته بقرونه الملتوية فيمتلكهم الخوف لأنهم لم يمتلكوا ثقافة ( عيب لبحيرة فتفتاشها ) لو فتشوا في شيطانية الصردي، لأدركوا ومنذ زمان أن الحولي يظل على الدوام حولي ولن يكون غير الحولي.
المسافة التي أخذتها لنفسي من الشيطان، كانت رحمة ساعدني فيها شخص لن أنسى له هذا الجميل حين هاتفني وقال لي: أرض الله واسعة، تألمت ألما لازمني بضعة شهور لكن سرعان ما تعافيت من رائحة الصردي وبدأت أطل على المدينة من شرفة عليا.. ثم زالت الغشاوة عني وبدأت أدرك أن (كل شاة تعلق لوحدها من كراعها)
فتحت عيوني على الناس، وعلى العلاقات التي كان الشيطان الصردي، يصدني وينصحني بالابتعاد عنها.. وصرت أصغي السمع لما يقال: ليس كالبهيمة وغدوت أفكر، فتملكني إحساس جديد افتقدته لسنوات. ثم أدركت أني ذاتا مفكرة وليس كل ما يقال من الصردي حقيقة، بل أضغاث أحلام كان يأكل بها لحم الناس، ولحم أقرب المقربين .
وتيقنت أن الشيطان الصردي الذي كان بيننا، لم يكن سوى ذاك الذئب الذي سكننا وتركنا في الطرقات والأزقة نتتبع آثاره وفي المنعطف وجدناه ميتا كالجيفة.