الدراجة النارية: النار التي تحرق فلذات أكبادنا
بقلم سدي علي ماء العينين، ابريل، اكادير.
جاء في قصاصة الانباء أن شرطيا كان يطارد دراجة نارية على متنها ثلاثة قاصرين ، وانتهت المطاردة بوفاة شاب و نقل شابتين إلى العناية المركزة.
وعلاقة بالموضوع ، فيديو منتشر على شبكات التواصل الاجتماعي يحاصر فيها قاصرون سيارة الامن حيث وضع رجل الامن ، وينهال بعضهم ضربا في السيارة ،وهم يرددون “ “ وا القتال ،وا القتال”…
وفي جلسات المواطنين وتعليقاتهم بشبكات التواصل الاجتماعي على الحادث تصاب بالذهول، فحجم التضامن مع الطفل القاصر المتوفي كبيرة، وحجم التحامل على رجل الامن اكبر.
ومرة أخرى، الناس لا ينتبهون إلى جزئيات صغيرة تشكل الفارق في زاوية تناول الموضوع:
– اولها القانون المغربي الذي لا يشترط الحصول على رخصة السياقة لقيادة الدراجة النارية، باستثناء بعض الانواع، مع العلم ان هذه الدراجات تعتمد نفس مسار السيارات، و عندها سرعة تفوق بعض انواع السيارات المتهالكة والقديمة التي تجوب مدننا.
– وحماية للسائقين فقد جعلت الدولة من عدم وضع الخوذة، غطاء الرأس، مخالفة يعاقب عليها القانون، واعطت الحق لرجال الامن توقيف الدراجين وتحرير المخالفة مع إحالة الدراجة النارية إلى مستودع المحجوزات.
– الدراجة النارية ، هي فردية في طبيعة و فلسفة صناعتها، وعدد المقاعد بها يسمح بمقعد إضافي فيكون اجمالي الركاب شخصين.
– و في القانون المغربي، كما في قوانين العالم الامتثال لرجال الامن بالتوقف، والادلاء بالوثائق امر ملزم لا نقاش فيه، لذلك أعطى المشرع لرجل الامن تمثيل اثنى عشر شاهدا عدليا مقابل شهادة الفرد الموقوف.
قبل أن نخوض في واقعة الدار البيضاء، و هي مناسبة للترحم على الطفل المتوفي، ساحكي لكم حكاية مشابهة اودت إلى الموت ولكن بدون تدخل لرجل أمن:
اب من الطبقة الكادحة، لا يملك إمكانية اقتناء سيارة و له زوجة و طفلين أحدهما رضيع، اقتنى دراجة نارية خفيفة ، يستعملها لنقل اسرته من شقته للسكن الاقتصادي التي تتواجد خارج المدينة ، ليلتحق بعمله وسط المدينة و يلتحق ابنه الصغير بمدرسته، وزوجته تعينه في عمله وطفلها على ظهرها.
في صباح بارد ، الاسرة ككل يوم راكبة على الدراجة النارية الخفيفة ، فجأة ارتطمت العجلة الامامية بجسم غريب في غفلة عن الاب السائق، فتمايلت الدراجة لخفتها قبل أن تميل ويسقط الراكبون ارضا،
الاب خرج منها سليما، والابن الذي كان بين الاب والمقود واقفا اصيب في وجهه، و في الخلف ، الام فقدت هي أيضا توازنها، وسقطت على ظهرها و ارتطم الرضيع بالارض وتوفي…. مات الرضيع !!!
وفي التفاصيل توبع الزوج بجريمة القتل غير العمد ، و تعريض أسرة تحت كفالته للخطر ، واودع السجن وحوكم، وفي قاعة المحكمة كانت الام المكلومة تصرخ في وجه القاضي :
“ لقد ضاع مني رضيعي، وفلذة كبدي، و ابني يرقد بالبيت مصابا، وتريدون أن تأخذوا مني زوجي ، فماذا سيكون مصيري، فلا عمل لي ، ولا معيل لأسرتي، وأقساط السكن من أين لي بها؟
القاضي ليس مؤسسة اجتماعية، فهو يحكم وفق الوقائع وملائمتها مع القانون. وفعلا سجن الأب مع شروط التخفيف مراعاة للظروف الاجتماعية المحيطة بالملف.
أسرة كاملة شردت وروح أزهقت، ليس بسبب الفقر ، ولا بسبب ظلم القاضي، ولا بسبب الأمن، ولكن بسبب خرق الأب للقانون وتعريض أسرة بكاملها للخضر وسوء استعمال سلطته على اسرته.
بالعاطفة ، صوت الأم يطغى و نداءها يعلو فوق كل كلام ، فماذا ستجني الدولة وهي تسجن رجلا هو المعيل الوحيد لأسرته، فتشردت الاسرة؟
كما انه لم ولن يكون في نيته قتل رضيعه وهو الذي اخرجه الى الحياة ، و في هذه الواقعة هو المتضرر ولا ضرر على الدولة….
لكن كل هذا الكلام عاطفي غير محكوم بفلسفة المجتمع وتعاقده، فعندما يخطئ الفرد ، يعاقبه المجتمع ليكون عبرة كي لا يتكرر الخطأ و لكي لا تزهق ارواح اخرى. و تلك زاوية رؤيا لا يراها عامة الناس.
لنعد الان الى واقعة البيضاء و وفاة شاب قاصر اثر مطاردة بوليسية ، وكيف تعاطف عامة الناس مع الطفل ، وتجرأ بعضهم لمحاصرة سيارة الامن و نعث الشرطي ب” القاتل،”:
– بداية ، لا تحدث المطاردة الا عند عدم انصياع السائق لطلب رجل الامن بالتوقف، و هذه مخالفة يعاقب عليها القانون،
– المتوفي لم يكن يضع خودة على راسه لحمايته أثناء السقوط وهو بذلك يرتكب مخالفة. ويعرض حياته وحياة من معه للخطر.
– عدد الراكبين على الدراجة النارية ثلاثة اشخاص، و هذا فيه مخالفة واضحة للقانون. الذي لا يسمح بأكثر من راكبين.
رجل الامن الذي أراد إيقاف الدراجة ، كان يقوم بعمله في حفظ الامن العام، فركوب دراجة نارية و على متنها ثلاثة أشخاص ، والسياقة بسرعة وعدم وضع الخوذة على الرأس، كلها أمور تهدد سلامة الراكبين كما تهدد سلامة باقي مستعملي الطريق .
و بسبب عدم الامتثال لطلب رجل الامن بالتوقف، يستعمل الشرطي رجله لإسقاط الدراجة و من عليها ، و بالفعل تتمايل الدراجة و تسقط و بقوة الصدمة و بسبب السرعة ، يفارق الشاب الحياة و يتم إيداع الفتتاتين المستشفى.
هل تقدير الشرطي باستعمال رجله لوقف الدراجة سليم قانونا؟
وهل هناك نية إلحاق الاذى بالراكبين من طرف الشرطي؟
هنا النيابة العامة لها مساطرها وزاوية رؤية القضاء و التحقيقات والشهود و ما إلى ذلك …
لكن ما ليس مقبولا ، هو التحامل على رجل الامن لمجرد أن قيامه بعمله نتج عنه وفاة مواطن قاصر ، وما ليس مقبولا ولا موضوعيا الانسياق وراء عاطفة التعاطف مع أسرة الطفل للتغاضي عن كل المخالفات التي ارتكبت في هذه النازلة.
لا يمكننا إلا أن نتقدم لأسرة الطفل بأحر تعازينا في فقدان ولدهم، كما نتمنى الشفاء للطفلتين نزيلتا المستشفى ،
لكن ، والخطاب هنا موجه للدولة، و للآباء :
إلى متى سيبقى مسموحا للقاصرين ركوب الدراجات النارية و التهور في الطرقات معرضين أنفسهم و غيرهم للخطر؟
إلى متى ستبقى العديد من اصناف الدراجات النارية تقاد بدون رخصة سياقة، فيقودها أشخاص لا يميزون بين من له الاسبقية هل اليمين أو اليسار ، ولا قراءة علامات التشوير ؟
لا احتاج إن اذكركم، أن مدينة أكادير على سبيل المثال كثير من اسرها، ومن مشاهير مسؤوليها وفاعلين بقطاعات وواجهات فقدوا أولادهم في حوادث سير بالدراجات النارية ، رحمة الله عليهم جميعا.
زمان كان الاباء يرفضون شراء الدراجات النارية للأبناء و لسان حالهم يقول : “ حتى لي راكب فوق مترو ديال الحديد كيتسمى راكب “
وهذه عبارة دالة على افتقاد الدراجة النارية لشروط الامان والسلامة .
تم تسجيل 115 ألف و506 حوادث سير خلال 2021، تسبب في مصرع 3 آلاف و436 شخصا فيما بلغ عدد المصابين بجروح بليغة 8 آلاف و536 مصابا، والمصابين بجروح خفيفة بلغ 155 ألف و146 مصابا.
ومن بين المتوفين ضحايا حوادث السير اصحاب الدراجات ذات عجلتين أو ثلاث عجلات بـ852 قتيلا، أي بنسبة 24 في المائة.
واقع يجعلنا جميعا أمام مسؤولياتنا في ضمان سلامة المواطنين، عبر سن قوانين صارمة ، وتنظيم حملات توعية دائمة ، و تشديد الخناق على المتهورين، و منع استعمال اي وسيلة نقل على القاصرين ، لعل وعسى بعد كل ذلك أن نصل إلى بر الامان ونقلص من خسائرنا في الارواح الطاهرة لشبابنا في ريعان شبابهم .
فهل تعتبرون؟