رسالة مفتوحة إلى وزير التربية الوطنية

المختار عنقا الإدريسي
طنجة في 15 يوليوز 2025
هي رسالة تربوية مفتوحة، من فاعل تربوي رآكم تجربة ميدانية، تدرج من التعليم إلى التفتيش والتدبير، يسائل فيها وزارة التربية الوطنية بكل أطرها المركزية حول المشروع الوطني، في ضوء رهانات الأقبال على تنظيم تظاهرة كأس العالم 2030.
تحية مُواطِنة وتربوية صادقة:
وبعد، أتوجه إليكم السيد الوزير، من موقعي كفاعل تربوي شغل عدة مناصب ميدانية وإدارية في مسار امتد من حجرات الدرس إلى التفتيش والتأطير التربويين، جمعية المغربية لمفتشي التعليم، وعضو في الفريق الوطني الذي صاغ وثيقة التوجهات والاختبارات الكبرى، وخبير وطني ساهم في إعداد برنامج إدماج التربية على حقوق الإنسان في المنهاج الدراسي المغربي. وهذا المسار التربوي الحافل
ثم إلى موقع المسؤولية كنائب لوزارة التربية الوطنية، وكاتب عام سابق بما فيه من محطات تأمل وفعل ونضال تربوي، جعلني أومن بأن المدرسة ليست مجرد فضاء لتلقين المعارف، بل هي فضاء لإعداد الناشئة ولتكوين الإنسان وصناعة المستقبل وبالتالي تحصين الوطن.
السيد الوزير
وكما تعلمون فالمغرب مقبل على لحظة تاريخية استثنائية، بتنظيمه المشترك لكأس العالم 2030. وبهذا المعطى فإننا لا نقف فقط على أعتاب تظاهرة رياضية كبرى فحسب، بل نحن أمام فرصة نادرة لإعادة طرح السؤال الجوهري التالي: 【 هل نعدُّ أنفسنا لبناء مغرب قوي ووازن، أم فقط نسعى لتزيين الواجهة وترك الأعماق على ماهي عليه؟ 】.
لقد أثبت التاريخ، أن الدول التي حققت قفزات نوعية في مساراتها الرياضية، كانت قد هيأت الأرضية عبر إصلاحات جذرية طالت النضال التعليمي عامة والحياة المدرسية خاصة، فالرياضة لا تولد من الملاعب فقط، بل من حجرات الدرس وقيم الانضباط، ومن تنشئة عقلية جماعية واعداد مواطن – مستقبلي – معتز بنفسه وهويته. وتأسيسا عليه، ومن موقعي ذلك يصبح من المشروع أن نسألكم ذاك:
* كيف ننتظر كرة قدم وطنية محترفة، وتعليمنا المدرسي يعاني من خصاص في الأساتذة المكَونِين والمواكبين لمختلف المستجدات البيداغوجية، مع النقص الجلي في التجهيز والمعدات البيداغوجية الحديثة؟
* كيف نهيئ أبطال الغد ومدارسنا – في معظمها – تفتقر للبنيات الرياضية، وأن الحصص المخصصة للتربية البدنية في الكثير من الحالات تُهْدر أو تُستبدل؟
* كيف نزرع في ناشئتنا وأطفالنا وشبابنا روح المنافسة البريئة والاحترام المتبادل واللعب النظيف، إذا كانت المدرسة نفسها عاجزة عن الحماية من العنف والإقصاء والتهميش؟
* أين هو مشروع دمج الرياضة المدرسية
في سياسة وطنية شاملة تؤمن بالتكوين الرياضي منذ الصغر، وتربط بين القدرات البدنية والتحصيل المعرفي، ضمن مقاربة مندمجة تنظر الى المُتَمَدرس على أنه العقل والجسد معا؟
* كيف نفسر المفارقة التي تجعل ميزانية بعض النوادي الوطنية تتجاوز الميزانيات المخصصة لمُدِيريات التعليم – النيابات – في حين تظل المؤسسة التربوية هي الحضن الأول الذي يُفترض أن تتخرج منه المواهب وتعمل على اعدادهم وتأطيرهم؟
السيد الوزير
إننا لا نعارض تنظيم كأس العالم – وهو خيار وطني – بل نعتز ونفتخر به، وندرك أنه قد يكون رافعة وطنية كبرى. لكننا في المقابل، نرى أن لا معنى لتنظيم المونديال في ظل منظومة تعليمية لا تواكب العصر، ولا تصنع الأجيال المؤهلة أخلاقيا وبدنيا وثقافيا للمنافسات الكونية التي تخفى عنا أهميتها القصوى بالنسبة لبلدنا. وأعتقد أن الرهان الحقيقي في النجاح لا ينحصر في بناء أو إعداد ملاعب عملاقة وجميلة، بل يكمن في بناء الإنسان المتوازن، المبدع، المسؤول، المقدر للحق والواجب، المستحضر لكل ما تتطلبه الألفية الثالثة من قيم المواطنة الحقة. فلا ولن يتحقق هذا الرهان ما لم نحرص على أن تبقى المؤسسة التربوية المغربية:
– مصدرا للمواطنة.
– حاضنة للمواهب.
– نواة لكل تنمية قاعدية.
السيد الوزير
إن الإصلاح الحقيقي يفترض الانفتاح أكثر على الطاقات التربوية القادرة على العطاء والإسهام في هذا الصرح البيداغوجي، من المتقاعدين الذين راكموا تجارب مهنية طويلة وملامسات ميدانية عميقة لتحولات المنظومة التربوية – بغض
النظر عن خانات ومواقع مهامهم – فهم يحملون رصيدا غنيا من الخبرة والرؤية والتجربة، يمكن أن يشكلوا بها قوة اقتراحية ومجالس استشارية، وذاكرة مؤسسية حية تسهم في ورش الإصلاح التربوي الذي لا يمكن أن ينجح دون تعبئة الجميع. خاصة وأن الإصلاح الحقيقي لا يكون بإعلانات موسمية ولا بخطط معزولة، بل يقوم على رؤية وطنية متكاملة تُشْرِك الجميع، وتربط بين القيم والممارسة، بين الكرة والمدرسة، بين الحلم والمشروع.
وتفضلوا السيد الوزير، بقبول فائق التقدير والاحترام.