هل صناعة التفاهة، تهدد ديمقراطيتنا الصاعدة؟

هل صناعة التفاهة، تهدد ديمقراطيتنا الصاعدة؟
شارك

عبد العزيز شبراط

 

نحن بحاجة اليوم إلى مراقبة ما ينشر ويذاع للعموم، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر مواقع أو جرائد إلكترونية، بل حتى على القنوات التلفازية، الوطنية وغيرها، وواضح أن هذه الدعوة لا تندرج في خانة التضييق على حرية التعبير، أو الحريات الفردية، بقدر ما هي دعوة للحد من انتشار التفاهة وما يصاحبها، وإلا سنجد أنفسنا بعد قليل من الوقت، أمام سوق تعج بمنتجات فنية وفكرية وأطروحات جامعية رخيصة ومستعملة، لا تخدم أحدًا بقدر ما تضر بالمجتمع، وتساهم بشكل كبير في تدمير ثقافتنا وأخلاقنا، و تلعب دورا بارزا في هدم الأجيال القادمة، وتدمير عقولها.

لا أحد من العقلاء اليوم، له ما يكفي من القدرة والاستعداد لقبول ما يحدث، إننا نشهد على تكوين جماهير أبواق تردد أمورًا لا تفهم فيها ولا تعرف حتى لماذا ترددها، فالحقيقة الغائبة اليوم على الكثير منا قد تظهر فجأة، وحينها تكون الظروف قد  تطورت إلى حد لا يمكن معها تغيير ما أفسد سابقا، الحقيقة لا تكون أبدا بطمس آراء الآخرين أو تسفيهها أو الهروب من مواجهتها، إما جهلا بها أو تعاليا عليها أو رفضا لها، إن الكم الهائل الذي ينتشر كالفطر من التافهين والتافهات، بمساعدة انتشار التكنولوجيا الحديثة وسهولة الحصول على أدواتها، يفرض على كل العقلاء التدخل العاجل لمحاصرة ذلك، ولعل أسوأ خصائصنا الفكرية اليوم تتمثل في السكوت عن ما يحدث، أو الخوف من انتقاده بحجة حرية التعبير والحرية الفردية، والكثير منا يقر بالانتشار الكبير للتفاهة بكل أنواعها، ولكنه لا يتصدى لها  فهو يكتفي فقط بالمشاهدة والتفرج و ترديد الحولقة، وهو ما يترتب عليه الخطأ المطلق، الذي سنؤدي ثمنه غاليا.

فهذه التفاهة التي نتكلم عليها، ليست محصورة بين الشباب، مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قد تتجلى في نشر الفضائح أو الأغاني الساقطة وغيرها كثير، ولكنها هي أيضا مبطنة في بعض الخطابات الأخرى المغلفة بالدين والوعظ والإرشاد أو حتى إعطاء النصائح أو منح بعض المساعدات، أو اقتراح بعض الأدوية التي لا أسس علمية لها، أو بعض العلاجات لبعض الأمراض المستعصية بعيدا عن العلم، مما يعرض العديد من الضحايا لصعوبات صحية كانت ستكون سهلة، لولا احتماء هؤلاء المرضى إلى الخرافة والابتعاد عن العلم، حتى تضيع منهم فرص العلاج والتخلص من المرض في بدايته.

هذه التفاهة أيضا، تنتشر عبر العديد من الجاهلين، الذين ينصبون أنفسهم علماء في كل شيء، و ويسمحون لأنفسهم اتخاذ موقف المالك للمعرفة المطلقة، وهو لا يقدر حتى على ترتيب أفكاره، وبالأحرى توزيع العلم على الآخرين، مشكلتنا اليوم تتمركز في كوننا لا نعرف كيف نختلف، بقدر ما نعرف كيف ننشر التفاهة هنا وهناك، ويلاحظ الجميع أن هذه التفاهة بكل ألوانها لم تقف عند باب الثقافة والفن، بل تجاوزتهما الى السياسة، وأصبحنا أمام رهط من البشر لا يعرف في السياسة سوى ما جنيت من خلالها من مال وجاه، و هكذا فإننا بالسماح لنشر هذه التفاهة وتمكينها من التوسع بالسكوت عنها وعدم مواجهتها، فإننا نغتال الديمقراطية ونهدم كل مشروع لبنائها وترسيخها في مجتمعنا، وهذا هو ما يخيفنا من انتشار هذه التفاهات على العديد من الاصعدة، حتى المدرسة التي كانت في يوم ما رادعا لمثل هذه التفاهات، تسللت اليها العقول الجامدة وسيطرت عليها في جميع مستوياتها، ووجدت لها ما يكفي من الحرية والتوسع لتصول وتجول، وتنشر خبثها في كل مكان. حتى أصبحنا نشهد مناقشة أطروحات للدكتوراه، لا علاقة لها بالفكر والتحليل العلمي و المساهمة في تطور العقل البشري.

هل الجهل متأصل فينا؟ وليس لنا القدرة العلمية، التي تسمح لنا بمواجهته والقضاء عليه؟  أم هناك من يسعى لتدمير هذه الأمة الطيبة العريقة، التي لا تحمل الحقد والضغينة للآخر؟ فالعلم نور كما قيل لنا عندما كبرنا، ولكن أي علم مقصود وأي نور؟ وما هي أدواته؟ ألم نستطع بعد الوصول إلى الاحتكام إلى هذه الادوات؟ رغم ما وصلته الانسانية من تطور كبير مكنها من تواصل سريع رغم الآلاف من الكيلومترات الفاصلة؟ فكل شيء يبدو لنا معرفا مسبقا، نقبله دون حتى وضع السؤال التقليدي عن صحته من عدمها.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *