الرسالة (11) التفاهة أسلوب حياة

الرسالة (11) التفاهة أسلوب حياة
شارك

من كتاب قادم للكاتب عبد الحميد الغرباوي: رسائل إلى ابنتي

 

استفزتك كلمة (التفاهة) الواردة في الرسالة السابقة !

لأني أخشى أن تقعي يوما في فخها.

لقد أصبحنا، يا عزيزتي، اليوم نصبح ونمسي على التفاهة .

التفاهة، تطوقنا، تحيط بنا من كل جانب.

أصبحت التفاهة أسلوب حياة.

ما معنى التفاهة؟

في معجم اللغة تعني: نقص في الأصالة أو الإبداع أو القيمة. كما تعني الحقارة والدناءة واللامبالاة بالأخلاق والقيم.

لقد أصبحنا نعيش في عصر ثقافة التفاهة.

و ها هي ذي شبكات التواصل الاجتماعي تفسح لها مجالا لانتشارها وبث سمومها، فيروساتها وجراثيمها الفكرية في وجدان و أوصال المجتمع.

التافه شخص حقير ودنيء.

شخص يحمل في داخله عقدة النقص، و يعاني من الدونية، لذلك ترينه يبحث دائما عن أسباب ومبررات كشماعة يعلق عليها فشله و سقوطه الأخلاقي و فراغه الفكري.

صفة أخرى تلازم التافه هي التملق.

التملق صعب ومسلكه أصعب.

لا تظنين أنه سهل.

إنه يحتاج خبثا، وانعدام ضمير، وقلبا أصم، يابسا، متحجرا بلا عاطفة ولا رحمة.

التافه عدو كل ما هو طيب وجميل.

التافه يدعي المعرفة، ويقدم نفسه خبيرا في كل القضايا و يقدم نفسه على أنه حلال المشاكل.

التافه يتوهم المعرفة.

يقول  ستيفن هوكينغ:

 » إن أعظم عدو للمعرفة ليس هو الجهل بل هو وهم المعرفة »

أجل،

لقد أصبحت التفاهة ثقافة عالمية لها أنصار ومريدون، ولها حضور و منتَج في شتى مجالات الحياة، في السياسة والإعلام والثقافة والتاريخ والإدارة.

إنها سائرة نحو بناء شكل جديد من أشكال الوعي الفردي والجماعي.

أجل،

لقد أتاحت وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي لهؤلاء التافهين فرصة الظهور والانتشار واكتساب الشهرة و النجومية عن طريق نشر السطحية والرداءة و القيام بأعمال تافهة، تُهمش التميز والإبداع وتسيء لذوق المواطنين .

وللتفاهة لغتها، وهي التي يصطلح على تسميتها بـ  » لغة الخشب  » أو  » اللغة الخشبية  » وهي لغة جوفاء، مثقلة بحشو لغوي يتسم بالنمطية والتكرار والتلاعب اللغوي الرنان المخاتل والمخادع والمؤثر، بعيدا عن التماسك والبناء العقلي المحكم.

و الخطير في نظام التفاهة أنه يعتمد استراتيجيات خفية يصعب رؤيتها بوضوح، تغلغلت حتى في الطبقة المثقفة التي عوض محاربتها، أصبحت تستهلكها، وتعمل على شيوعها وترسيخها من خلال تكريسها بكل الأشكال، كالتأليف والكتابة مثلا، هذه الطبقة المثقفة التي يفترض فيها أنها مسلحة بكل أشكال النقد العقلي، لكنها للأسف توثر الصمت، لما لهذا النظام من قوة كيدية، وصرامة في معاقبة  كل من  ينتقدها أو يفضحها بالإقصاء والإبعاد المعنوي أو الرمزي.

حماك الله عزيزتي من التفاهة و التملق، ومن التافهات والتافهين والمتملقات والمتملقين.

والدك.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *