لا ديمقراطية بدون مشاركة سياسية

لا ديمقراطية بدون مشاركة سياسية
شارك

حميد المُعطَى

المشاركة السياسية   تعنى أي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة وإدارة الشئون العامة أو اختيار القادة السياسيين على أى مستوى محلى أو إقليمي أو جهوي أو وطني .

ومن ثمة يمكن التساؤل: هل المغاربة يهتمون بالسياسة وإلى أي مدى يمكن تصنيفهم في سلم المشاركة السياسية؟

ليست هناك دراسات دقيقة حول الموضوع ولكن هناك انطباعات من بعض المواطنين تتجه إلى أن المغاربة مهتمون بالسياسة ولكنهم غير مشاركين في السياسة أي أنهم غير منتمين إلى الأحزاب السياسية إلا بنسبة لا تتجاوز 10 في المائة ولكنهم يملؤون الدنيا ضجيجا في المقاهي والمنتديات وفي الصفحات الفايسبوكية بالتحليل والانتقادات للشأن العام انطلاقا من أحيائهم ودواويرهم في مدنهم وقراهم وانتهاء بالحروب والأزمات في العالم مرورا بإسداء الآراء والنصائح من أجل إصلاح السياسات العمومية في الحكامة المالية والمشاريع الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.

ومع كل تلك المناقشات الساخنة والانتقادات اللاذعة والآراء الجريئة فهم لا يقومون  بالأنشطة الإرادية بهدف التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر فى عملية اختيار الحكام أو التأثير في القرارات أو السياسات التي يتخذونها بالقدر الذي من شأنه أن يصحح الاعوجاج وإصلاح الأخطاء للتمكن من تحقيق الأهداف المنشودة في التنمية بمستوياتها المختلفة ومجالاتها المتعددة.

وإذا كانت المشاركة السياسية العملية تعني أن  يلعب الفرد من خلالها دوراً فى الحياة السياسية لمجتمعية وتكون لديه الفرصة لأن يسهم فى مناقشة الأهداف العامة لذلك المجتمع وتحديد أفضل الوسائل لإنجازها، من خلال أنشطة سياسية مباشرة أو غير مباشرة. فإنه قلما يهتم بمتابعة الأمور السياسية والدخول مع الغير فى مناقشات سياسية، وحضور الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والأيام الدراسية أو المشاركة فى الحملات الانتخابية والانخراط فى عضوية الأحزاب والمساهمة في أنشطتها والتعبئة لها ، والترشيح للمناصب العامة  وحتى الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات لا يحضرها إلا النزر القليل من المواطنين..

أن مدى المشاركة يتفاوت طبقاً للمستوى التعليمي والمهنة والجنس والسن والديانة ومحل الإقامة والشخصية والمحيط الثقافى. فكلما زاد مستوى التعليم زادت المشاركة كما أن المشاركين من الرجال أكثر من المشاركات من النساء، وكذلك المشاركين من قاطنى المدن هم أكثر من مشاركة قاطنى البوادي

وبالطبع هذه الخصائص ليست ثابتة ولا تشكل قاعدة عامة إلا في الدول العريقة في الديمقراطية أما في المغرب فلا يمكن العمل بهذه المؤشرات إذ يمكن القول بدون مبالغة أن العكس هو ما يحدث في أرض الواقع إذ كلما ارتفع مستوى التعليم إلا وابتعد المتعلمون عن صناديق الاقتراع وكلما ارتفع الوضع الاجتماعي  إلا وانخفض الإقبال على التصويت والنساء أكثر من الرجال إقبالا على التصويت عكس الدول الديمقراطية والشباب أكثر عزوفا من الفئات الأخرى والأحياء الهامشية أكثر إقبالا على صناديق الاقتراع من سكان الأحياء الراقية.

ولا يمكن قياس مدى المشاركة السياسية للشعب المغربي بمعايير دقيقة فيما يخص تتبعه للأخبار أو قراءته للصحف أو حضوره للقاءات والتجمعات السياسية مع العلم أن مقروئية الصحف تراجعت والاستجابة لدعوات الأحزاب السياسية للتجمعات تقلصت والانخراط في الأحزاب  تقزم ويبقى المؤشر الوحيد الممكن الاعتداد به هو الإقبال على التصويت في الانتخابات.

إن نسبة المصوتين في الانتخابات التشريحية الأخيرة لسنة 2016 لا تتجاوز 43في المائة من عدد المسجلين وهي نسبة لاترقى إلى الاطمئنان على الانتقال الديمقراطي في بلادنا خصوصا إذا علمنا أن عدد المسجلين لا يزيد عن 15مليون و700 ألف في حين كان عدد الذين في سن التصويت 25 مليونا وثالثة الأثافي هي الأوراق الملغاة البالغ عددها أكثر من مليون ورقة.

وبالمقارنة مع الاستحقاقات الماضية نلاحظ بأن نسبة المشاركة حسب السنوات الانتخابية التشريعية كانت كمايلي:

السنة النسبة المائوية للمشاركة        الأوراق الملغاة

1963 73                       و4 في المائة لاغية

1970 85                                   1 في المائة لاغية

1977 82                                6 في المائة لاغية

1984 67 11 في المائة لاغية

1993 63                               13 في المائة لاغية

1997 58                              15 قي المائة لاغية

2002 52                                  16 قي المائة لاغية

2007 37                                    20 في المائة لاغية

2011 46                                     22 في المائة لاغية

2016 43                         أكثر من مليون ورقة لاغية

2021 ؟

من الملاحظات المسجلة:*نسبة المشاركة سنة 1970 مشكوك فيها إذ لا يمكن أن تكون النسبة عالية مع العلم أن الأحزاب الوطنية قاطعت تلك الانتخابات :حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحزب الشيوعي المغربي المنحل.

*كانت النسب عالية نسبيا سنة 1963 بعد المصادقة على أول دستور بعد الاستقلال وسنتي 1993و1997 بعد التعديلين الدستوريين وسنة 2011 بعد العمل بدستور جديد وحراك 20 فبراير.

أما بالنسبة للأوراق الملغاة فباستثناء استحقاق 1963 الذي يمكن تفسير الملغاة بكون انتشار الأمية وعدم التعود على الذهاب إلى صناديق الاقتراع  فإن الناخبين في الاستحقاقات الأخرى كانوا يتعمدون التعبير عن عدم رضاهم بالتصويت الأبيض.

وبصفة عامة فإن الأرقام المذكورة تدل على مشاركة المغاربة الضعيفة في الاستحقاقات الانتخابية لعدة أسبابا ذاتية وموضوعية، ويرتقب أن يثير موضوع التصويت الإجباري الذي أثارته وزارة الداخلية هذه الأيام بالتشاور مع الأحزاب السياسية جدلا داخل المشهد السياسي المغربي بين من يعتبره آلية لتكثيف المشاركة في العملية الانتخابية وتمكين المغاربة من ممارسة حقهم، وبين من يرى فيه إجهازا على حرية التعبير لـ »حزب المقاطعين ».فبالنسبة لمؤيدي التصويت الإجباري فيعتبرونه ،يضمن مشاركة أكبر من الناخبين. وهذا يعني أن المرشح أو الحزب المنتصر يمثل بشكل واضح أغلبية السكان، وليس فقط أولئك الأفراد المهتمين بالسياسة والذين سيقومون بالتصويت بدون إجبار. هذا يساهم في ضمان أن لا تهمل الحكومة فئات المجتمع الأقل نشاطا من الناحية السياسية.

أن القادة السياسيين الذين ينتصرون في الانتخابات تحت نظام تصويت إجباري يمكنهم ادعاء قدر أكبر من الشرعية السياسية من أولئك من نظرائهم الذين ينتصرون في انتخابات لا تطبق التصويت الإجباري والتي يقل فيها إقبال الناخبين على التصويت

إن إقرار التصويت الإجباري يستلزم توفير وسائل النقل للناخبين البعيدين من مكاتب التصويت وتنظيم الانتخابات يوم الأحد أو يوم عطلة حتى يتسنى للموظفين والمستخدمين والعمال الحضور إلى مكاتب الاقتراع وإحداث مكاتب متنقلة لزيارة المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة  للتصويت في مقرات سكناهم..

إذا كان الناخب لا يرغب بانتخاب أي من الخيارات المتوفرة، فيمكنه التصويت بالورقة البيضاء أو الملغاة. باعتبار ذلك أفضل من عدم التصويت وبعض السلطات تتيح للناخب أن يختار « لا أحد مما سبق » إن كان لا يدعم أي من المرشحين، وذلك لإظهار امتعاضه من قائمة المرشحين.

وقد يشجع التصويت الإجباري الناخبين على البحث ودراسة مواقف المرشحين السياسية بشكل أكثر دقة. بحكم أنهم سيصوتون على أية حال، فربما يدفعهم هذا الاهتمام بطبيعة المرشحين السياسيين الذين سيمنحونهم أصواتهم، بدلا من عدم المشاركة..

وبدون شك فإن نسبة المشاركة تزيد في الانتخابات الوطنية والتشريعية 7في المائة وتزيد أكثر في الانتخابات المحلية12في المائة حسب بعض الدراسات والاستطلاعات الأوربية.

. ، يلعب التصويت الإجباري دورا تعليميا ويقوم بالتحفيز للمشاركة السياسية، مما يخلق شعبا أكثر اطلاعا. وتمدنا ومواطنين أكثر وعيا  .

أما بالنسبة للمعارضين فإنهم يعتبرون ان [

أي نوع من الإجبار يؤثر على حرية الفرد، كما أن تغريم من لا يقوم بالتصويت شطط وحيف.

إن التصويت الإجباري في جوهره هو نوع من التعبير الإجباري، وهو ما ينتهك حرية التعبير لأن الحرية التي يملكها المرء في التحدث هي الأصل، تتضمن بالضرورة حرية أن يختار الصمت.

البعض لا يدعم فكرة التصويت الإجباري، بالذات إذا لم يكن لديهم أي اهتمام بالسياسة أو معرفة بالمرشحين. بينما قد يوجد آخرون مطلعون جيدا، لكن ليس لديهم تفضيل معين لأحد المرشحين، وليس لديهم الرغبة في دعم النظام السياسي الحالي..بينما يوجد معارضون للتصويت الإجباري على أساس مبادئ معينة. مثلا، بعضهم يؤمن بأن العملية السياسية بطبيعتها فاسدة ، ويفضلون التقليل من مشاركتهم الشخصية في الأمر.

يرى مناصرو التصويت الطوعي أن معدل المشاركة المنخفض في الانتخابات الطوعية ليس بالضرورة تعبير عن استياء الناخب (لأسباب سياسية محضة) أو لا مبالاته بالسياسة (الانشغال بعمله أو هواياته). بل قد تعبر عن رغبة الناخب السياسية، والتي تدل على رضاه عن النظام الحالي(ساكنة الأحياء الراقية بالمدن نموذجا.

جميل أن تكون المشاركة في الانتخابات مكثفة والأجمل أن يكون التسجيل في اللوائح الانتخابية إلزاميا وأوتوماتيكيا من البطاقة الوطنية وأن يكون الإقبال على التصويت طوعيا ولكن التحولات المجتمعية والتقدم السريع في التكنولوجيات الحديثة جعل الناخبين يعزفون عن التصويت وهذه ظاهرة في جميع الدول وليست خاصة بالمغرب مع انتشار الفردانية وشبكات التواصل الاجتماعي وعدم الاهتمام بالأيديولوجيات والنفور من الأحزاب السياسية …الخ

ولا يمكن للإلزام والإجبار والتغريم أن يحل المشكلة ويرفع من نسب المشاركة  الانتخابية ويجعل المواطنين يتصالحون مع صناديق الاقتراع. إن الحل في نظري له ثلاثة أبعاد ومسؤوليات تتحمل الدولة أولاها بضمان الشفافية والحياد الإيجابي في جميع أطوار العمليات الانتخابية مع توفير شروط التصويت الحسنة من تقريب مراكز الاقتراع من الناخبين أو توفير وسائل النقل وإحداث مكاتب متحركة تزور المرضى وذوى الاحتياجات في بيوتهم واعتماد التصويت الإلكتروني لتسهيل التصويت بالنسبة للشباب أما ثانيها فتتحملها التنظيمات السياسية التي عليها أن تؤطر الناخبين بأهمية الاقتراع وتعبئة مناصريها ومنخرطيها للحضور المكثف يوم الاقتراع وثالثتها يتحملها المجتمع المدني بإطلاق حملات التحسيس والتوعية بأهمية العملية الانتخابية بالنسبة لمستقبل البلاد والعباد وهكذا تسجل نسبة المشاركة التي ستكون مرتفعة بدون شك إلا من ا لذين يقاطعون سياسيا تعبيرا منهم عن عدم رضاهم عن المنظومة السياسية ولهؤلاء رأي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار في السياسات العمومية.

إن العزوف ظاهرة خطيرة على ديمقراطيتنا الفتية لأنه لا يمكن بناء الصرح الديمقراطي بهكذا مشاركة سياسية على الدولة بمؤسساتها والأحزاب السياسية بأطيافها والمجتمع المدني بتلويناته العمل على محاصرتها والبحث عن أسبابها والحلول الممكنة للحد منها.

والملاحظ في هذه الأيام انطلاق حملات لمقاطعة انتخابات 2021 بمبررات تبدو من الوهلة الأولى معقولة مثل معاشات الوزراء والبرلمانيين ولكنها في الحقيقة مشكوك في خلفياتها والغرض منها والمستفيدين منها لأن المعاشات يمكن إلغاؤها بمشروع أو مقترح قانون من البرلمان أما عدم المشاركة في الانتخابات فلا يمكن أن يغير من الأمر شيئا اللهم استفادة بعض الأحزاب التي تتوفر على قاعدة انتخابية ثابتة تخاف على تقليصها بالمشاركة المكثفة وبالمقاطعة تحافظ على تبوئها المراكز الأولى في القبة البرلمانية.

ومهما كانت نسبة المشاركة منخفضة في المغرب فإن نتائج الانتخابات يعتمد عليها ويعتد بها وليس كبعص الدول التي تلغى فيها الانتخابات وتعاد مرة أخرى إذا لم تتجاوز المشاركة نسبة معينة 25 في المائة مثلا .

وكل الاختلالات في القوانين سواء كانت تنظيمية أو اجتماعية أو في المنظومة الانتخابية لا يمكن تغييرها إلا بواسطة السلطة التشريعية التي ينبغي انتخاب أعضائها بطريقة ديمقراطية من نخبة مؤهلة لإحداث التغييرات والإصلاحات لما فيه مصلحة الوطن والشعب ولن يتأتى ذلك إلا بالمشاركة السياسية والانتخابية المكثفة.

-إن المشاركة سلوك تطوعي ونشاط إرادى وسلوك مكتسب فهى ليست سلوكاً فطرياً يولد به الانسان أو يرثه،

وهي عملية اجتماعية شاملة ومتكاملة متعددة الجوانب والأبعاد تهدف إلى اشتراك كل فرد من أفراد المجتمع فى كل مرحلة من مراحل التنمية، فى المعرفة والفهم والتخطيط والتنفيذ والإدارة والاشتراك والتقويم وتقديم المبادرات والمشاركة فى الفوائد والمنافع.

إن المشاركة حق وواجب فى آن واحد فهي حق لكل فرد من أفراد المجتمع وواجب والتزام عليه فى نفس الوقت، فمن حق كل مواطن أن يشارك في مناقشة القضايا التي تهمه وأن ينتخب من يمثله فى البرلمان وأن يرشح نفسه إذا ارتأى في نفسه القدرة على ذلك والتعبير عن طموحات المواطنين في المجالس النيابية. فالمشاركة هي الوضع السليم للديمقراطية، فلا ديمقراطية بغير مشاركة،

 المشاركة هدف ووسيلة في آن واحد.. فهي هدف لأن الحياة الديمقراطية السليمة تقتضى مشاركة الجماهير في المسئولية الاجتماعية، ، كما أنها وسيلة لتمكين الجماهير من لعب دور محوري في النهوض بالمجتمع نحو الرقى والرفاهية والمساهمة فى دفع عجلة التنمية.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *