ما ينبغي قوله جهرا، في زمن الإصلاح القضائي
د. سيدي محمد حاميدي.
صرخة ،على غرار باقي أشقاء عرين المهنة الرسالة، أصبت بنوبة حزن وكرب عميق بما حصل؛ فما كانت المكالمة المسربة إلا ذلك الوخز الذي يظهر بين حين وحين بما يحرك فينا الضمير ويطرح عددا كبيرا من الأسئلة الحارقة، سيما ونحن في كنف أساس الملك الذي هو العدل.
فكيف لا تقشعر الأبدان والقضاء دينيا وتاريخيا ودستوريا وحقوقيا هو صمام أمان الحقوق والحريات، وهو الذي يشكل دوما ملاذا للمقهورين في كهوف الظلم في معرض بحثهم عن الإنصاف. ولعمري إن ما حصل من تسريب مكالمة مزلزلة شكل ولا يزال ضربة موجعة ومؤلمة لما خلفته من آلام سحيقة بعلة ما حملته من اتهامات منحرفة لمهنة المحاماة الرسالة التي طالما كانت ولازالت الجناح الثاني لطائر العدالة الذي يجب ان يسمو عاليا تفاديا لكل الشبهات وتحقيقا للمظنون فيها من تكريس قيم الحكامة بمبادئها المعروفة من نزاهة وشفافية ووضوح ضمن جدلية كل الدواعي واللبنات المؤسسة لصرح الأمنين القضائي و القانوني .
لا غرو أن أي تبخيس لمهنة المحاماة وما تقدمه من خدمات جليلة لعموم مرتفقي العدالة ، بحيث كانت دوما ولازالت هي تلك البوصلة التي تخفف عن القضاء متاعب البحث الشاق . فالمحامي شريك رسمي وفق كل المرجعيات الأممية في صناعة الحقيقة القضائية القائمة على إحقاق الحقوق و دحض الباطل . وعليه لا يجوز، مهما تكن مبررات الخصوم من الداخل والخارج معا ، تسفيه رسالة هذه المهنة واستصغار أهلها كما أكدت السقطة المدوية التي حملتها المكالمة المسربة مثار القلق والشنآن ، و إن كان الحق يقول » و لا يمنعنكم شنان قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى » . و حسبنا أن إقامة العدل لن يتأتى باتهام المحاماة وتقديم احصاءات مغلوطة تجعل تسعين بالمائة منهم دون المطلوب أخلاقيا !! . ترى من يملك الحق في بناء هكذا استنتاج على أساس إتهام مجاني مغرض يسيء لشرف المهنة زورا و ظلما !! ، ولسان الحال يقول » حاميها حراميها » ،فلا نحتاج إلى تذكير بواقعة الدار البيضاء والاتجار بالبشر ولا بجرح قاضي الاسرة بمكناس ولا بسقوط رئيس غرفة الجنايات ببني ملال فكلهم وقائع بالأمس القريب وما مضى وما خفي كان أعظم . فكأن المحامين هم قتلة الأنبياء يا سيدي الأستاذ ؟! ، أو كأنهم خصوما و ليسوا شركاء في إنتاج الأمنين القانوني و القضائي .
لقد تعددت الخلفيات و السقطة واحدة بحيث لا يجوز تبرير ما حصل ، رغم الأسئلة التي تتناسل في سياق الردة الحاصلة والتي تسيء للقضاء وللمحاماة معا وتجعل نبل هاتين المهنتين في معرض الهتك أمام الرأي العام . فماذا حصل في سياقات الانحرافات الكبرى حتى أضحى العار يلازمنا رغم المجهودات المبذولة من لدن المنتمين إلى القضاء والمحاماة معا . لسنا نشك أن الحق يقول » و لا تزر وازرة وزر أخرى » ، لكن رغم ذلك فتداعيات السقطة المدوية تبلغ مبلغ الحناجر في سياق اقليمي عنوانه تربص خصوم المغرب بالدولة لتقديمها بما لا يليق . وعليه فكيف يمكن توقع ما حصل و اتهام محاماة الوطن بأوصاف ننزه أنفسنا حتى من باب الجدل عن نطقها لما تحمله من عبارات معيبة جدا ومسيئة جدا . فلسنا هنا ننصب أنفسنا دفاعا يبحث عن دفوع في الشكل والموضوع لدحض الادعاءات المغرضة، ببساطة لان أرشيف التاريخ لوحده كفيل بتقديم المسيء في حلة كوميديا سوداء. ولعل ان ربط المسؤولية بالمحاسبة يبقى مدخلا للتخليق في القطاعين .ان مهنة المحاماة لا مراء كانت السباقة تاريخيا الى معانقة كل قضايا الوطن منذ زمن وصف حقوقيا بزمن الجمر و الرصاص ، في لحظات كان غيرهم يعجز عن فتح الفم الا عند طبيب الاسنان . المحامي والمحامية شرف هذا الوطن ونخوته وعزته ، إذ لا يستقيم التركيز على ما ورد من اتهامات باطلة تقع تحت طائلة البطلان لكونها قانونيا مثيرة للشفقة و حقوقيا مثيرة للغثيان ودستوريا تستحق الردع ضمانا للأمنين القضائي والقانوني كالتزام للدولة كما تنص مضامين ذلك من داخل الوثيقة الدستورية .
ونعتقد ، واعتقادنا جازم، أن الحرص على تفادي كل ما من شأنه خدش الوقار إزاء مهنتي المحاماة والقضاء ينبغي ان يشكلا ديباجة شرف الانتماء، من جهة تقديرا لجسامة القسم، و من جهة ثانية استحضارا لكون العدل أساس الملك وعليه تقوم شرعية الدولة ومشروعية الحكم سيما ان كل الاحكام القضائية تصدر باسم صاحب الجلالة وباسم القانون، وهو ما يجعل مسؤولية كل أطراف العدالة جسيمة تقديرا للوطن ولرموزه ، واحتراما لكرامة المزاولين ، وتفاديا لكل ما قد يخل بشروط التقدير حيال مهنتين طالما كانتا مفخرة هذا الوطن الشامخ .فطهروا البيتين واستأصلوا كل الأورام الخبيثة لإعادة بناء حاضر ومستقبل مشرف.