في الغياب..

محمد اسماعيلي

في الغياب …تتّسع خارطة الشوق في جغرافية الروح..

في الغياب.. تَتَّقِد جمرة الاشتياق لِتُضيء القلب وتُشعِل شموع الوجد..

في الغياب.. يكون الشوق والحنين وجهين لعملة واحد.. الشوق لما هو آتٍ والحنين لما مضى.. وكلاهما نار مشتعلة بالقلب..

في الغياب.. يبقى القلب مُشرّعاً بيارق من خوف وأمل.. رجاء وشوق، ننتظر مَن يأتي ومَن قد لا يأتي..

في الغياب يعجز الجسد أن يلقى من أحب.. وتعجز العين أن ترى من تشتاق.. لكن يعجز القلب أن ينسى من عشق..

في الغياب.. تضيق مساحة الخصام والعتاب..  لأننا نعرف جيّداً طعم بكاء الأشياء التي يُخلّفها البعد.. ونرى كيف أن الحزن فيه يُصفّد أبواب الحلم..

في الغياب نكتشف أن كل شيء تغير إلا القلب يبقى وفيا للأحبة..

في الغياب.. لم نعد نحس بشيء.. ولم تعد لدينا القدرة على الاستمتاع بشيء.. بعيدا عن الأحبة..

في الغياب تتكلس الأفكار وتهرب منا إلى من نُحِب فيبقى المكان فارغا حتى يحضر من نُحِب..

في الغياب.. يكون العمر قد ضاع مرتين.. الأولى قبل أن نلقى مَن نُحِب.. والثانية عندما يرحل مَن نُحِب..

في الغياب.. نفتقد أنفسنا .. نبحث عنها فلا نجدها.. نمُدُّ أيادينا لأنفسنا  فلا تلمسها.. ننادي عليها فلا تسمعنا.. نهمس لها متى تأتينا وتُسعدنا..

في الغياب.. عندما نفتقد الأحبة لا نبحث عنهم بعيدا.. بل ننظر إلى أعماق قلوبنا حيث يسكنون إلى الأبد..

في الغياب.. عندما نفتقد الأحبة نضع أيدينا على قلوبنا..لأنها المكان الذي نثق بوجودهم فيه..

في الغياب.. عندما نفتقد الأحبة ننصت لدقات قلوبنا.. فإنها لا تنبض بدون وجودهم فيها…

في الغياب يلف دنيانا السكون.. وعند حضور من نحب تضحك الأحزان وتهون..

في الغياب شمعة تنطفي.. وعمر يختفي.. وقلب ينتهي..

أروع اللحظات حضور من نُحِب..  وأبلغ الكلمات حديث القلب.. وأجمل ما يزين المكان وجود من نرغب..

نعيش الخيال في بحور العشق.. نبحر في عالم الغياب بلا ضفاف.. بلا أسباب.. تضيع مجاذيف الوجدان حتى يقبل عن بعد مركب من نُحب ليزفنا إلى دنيا الوفاء والمحبة ويسقي نهر حضوره ورود الشوق بداخلنا فتزهر من جديد نبضات قلب كان قد ذبل ليضخ دم الفرح في كل أرجاء الجسد فيستعيد نشاطه بعدما رجعت إليه روحه.. ذلك ربيع العمر الذي لا يفنى..

دمتم أحبتي ودامت المحبة