مفهوم الزمان التاريخي والكتابة التاريخية عند المؤرخ المغربي
علال بنور.
يعد مفهوم الزمان التاريخي، أحد ركائز الممارسة التاريخية بإجماع المؤرخين، فهو من أصعب ركائزها إدراكا، فكلما اخضعه الدارس لمختبر البحث والتحليل الا وازداد غموضا.
لقد خضع هذا المفهوم للدراسة والبحث مع مدرسة الحوليات الفرنسية، اذ فككت كل التصورات التقليدية حول مفهوم الزمان التاريخي، ثم اعتبرته أساس العمل التاريخي، بل ميزت بين مستويات مختلفة للزمان عوض النظام الوحيد له.
لقد ساد النقاش ولمدة طويلة ،تمحور حول دور الأسس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في نشأة التاريخ وتطوره ،وحول منهجية المؤرخ واسلوبه ،في حين تم اهمال تحديد طبيعة الزمن التاريخي ،لم يتمكن اليونانيون في العهد الهيليني / الهلنستي من تأسيس علم التاريخ ،نظرا لطبيعة تصورهم الدوري للتاريخ، لكن التصور المسيحي للزمان والتاريخ فهو تصور خطي، لذلك فهو يهدف الى بلوغ وتحقيق غاية مستقلة ،فتاريخ الانسان من وجهة نظر المسيحية ،يبدا بخلق العالم ويمر عبر فترة وسطى تجسد المسيح ،ليتوجه نحو النهاية، بل ينظر للتاريخ على انه خط فيه رحلة الإنسانية نحو كمالها .
غيران العرب المسلمين تميزوا عن المسيحيين، بربطهم التاريخ بالزمان، فارتبطت نشأة التاريخ بنشأة علوم الدين، حيث جل المؤرخين الأوائل كانوا فقهاء، اعتمدوا في ممارستهم التاريخية على الشاهدة والنقد التاريخي، لذلك سميت الاحداث التاريخية بالأخبار وسمي أصحابها بالإخباريين.
وعلى الرغم من ان المؤرخ ينظر الى الماضي باعتباره موحدا، يهدف الى حكيه منذ بدايته الى عصر المؤرخ، فان ممارسته تعمل على تقسيمه الى حقب وفترات تاريخية متمايزة، وهكذا، كان المؤرخ العربي، يحافظ على تعدد الأزمنة السالفة للإسلام ويعمل في ذات الوقت على توحيد الذاكرة الإسلامية، وبالتالي فان تحقيب التاريخ أدى الى القول بتعدد التواريخ والازمنة.
لكن مع مجيئ مدرسة الحوليات في اطار التاريخ الجديد ،أحدثت قطيعة مع التصورات التقليدية الدينية للزمان والتاريخ ،حيث اعتبرت الزمان هو الموضوع المركزي للتاريخ ،فهو يحتاج الى إعادة بناء من داخل الممارسة التاريخية ذاتها، كذلك منحته مستويات مختلفة ومضامين متعددة ،متجاوزة الزمان الخطي والزمان الحلزوني في التصور التقليدي، ففي اطار مدرسة الحوليات مع مؤسسيها مارك بلوخ وفرناند بروديل ولوسيان فيفر وجاك لوغوف وغيرهم .تم التقعيد لقضية الزمان التاريخي ،حيث حدد بروديل مستوياته في الشكل التالي :الزمان الطويل له بعد جغرافي والزمان الدوري له بعد اجتماعي ثم الزمان القصير له بعد فردي.
لننتقل الى مستوى اخر من التفسير، نبدأه بطرح سؤال: هل استفاد البحث التاريخي بالمغرب من تقسيمات الزمان البروديلي؟ يمكن إعطاء بعض النماذج التي طبقت نتائج مدرسة الحوليات الفرنسية.
-الزمان الطويل: أي تاريخ المدة الطويلة، تهتم مضامينه بعادات وتمثلات السكان ثم تنظيماتهم الاجتماعية والمجالية، اضرب ثلاثة امثلة من الدراسات العلمية المغربية.
* محمد القبلي في دراسته المجتمع والسلطة والدين في نهاية العصر الوسيط بالمغرب.
* محمد الأمين البزاز في دراسته المجاعات والاوبئة بالمغرب خلال القرن 19م.
* زهراء طموح في دراستها العلاقات بين المغرب والسودان خلال القرن 19م.
-الزمان الدوري: أي البطيء، يهتم بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية يشمل من 10الى 50سنة من التحولات، من مضامينه المجاعات والاوبئة وتعداد السكان مع توزيعهم الجغرافي والتجمعات السكانية، ثم قضايا الأسعار، ومن هنا نسوق امثلة من الدراسات العلمية المغربية كذلك.
* إبراهيم القادري بوتشيش في دراسته أثر الاقطاع في تاريخ الاندلس السياسي من 250 ه الى 316 ه.
* عمر افا في دراسته مسالة النقود في تاريخ المغرب خلال القرن 19 م.
* علي المحمدي في دراسته السلطة والمجتمع في المغرب. نموذج ايت بعمران.
* احمد التوفيق في دراسته المجتمع المغربي في القرن 19 (انولتان 1850 -1912)
-الزمان القصير: أي الزمان الفردي، يدرس الاحداث القصيرة والتي تعد الأكثر تقلبا وخداعا، فهو يوافق التاريخ الحدثي، ومن موضوعاته حرب وثمن القمح وجريمة وفيضانات ومعاهدات. نعطي كذلك امثلة عن الدراسات التاريخية المغربية التي اعتمدت الزمان القصير.
* علال الخديمي في دراسته حادثة الدار البيضاء واحتلال الشاوية 1907.
* محمد داود في دراسته حرب تطوان.
* نعيمة الهراج التوزاني في دراستها الأمناء بالمغرب في عهد الحسن الأول.
* محمد حجي في دراسته الزاوية الديلائية.
* بوشتى بوعسرية في دراسته احداث بوفكران 1937.
من خلال قراءتنا لهذه الدراسات التاريخية العلمية المغربية، تبين لنا، انها استفادت من التاريخ الجديد الذي أسست له مدرسة الحوليات الفرنسية، فجدية هذه الدراسات تتمثل في اشكالياتها واسئلتها وأدوات البحث ومنهجه، ودمج التاريخ بالعلوم المجاورة، مع ظهور مفاهيم ومصطلحات جديدة، بحكم انفتاحها على العلوم الأخرى، بما فيها العلوم المجاورة لعلم التاريخ، كذلك اعتمادها المنهج الكمي ومنهج التحليل الاجتماعي ومنهج التحليل النفسي، والجمع بين فكرة الزمان والمجال.
هل أسست هذه الدراسات المغربية للتاريخ الاجتماعي متخلية عن التاريخ الوطني؟ وهل يمكن الحديث اليوم، عن ان الكتابة التاريخية المغربية، أسست لمدرستين، المدرسة الوطنية والمدرسة الاجتماعية في غياب المدرسة الاقتصادية والمدرسة السيكولوجية؟؟