لو دامت لغيرك ما وصلت إليك
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ، أكادير، شتنبر ،2023
ابتليت إدارتنا -والعياد بالله – بكائنات تعمل بعقلية الاستحواذ ، فتجد يدها ممتدة لكل شيء غير ممدودة لكل الناس ، تعشق الوقوف في ظل المسؤول فتنزع منه كل تكليف بالمسؤولية !!!
كائنات تقضي كل وقتها في العمل، ليس حبا فيه ،ولكن حبا في تملك رب المعمل مقابل امتيازات معنوية أو مادية أو مجرد إشباع لنزعة نفسية مريضة !!!!
كائنات تحارب بكل قوة اي طاقة جديدة أو وجه جديد او مبادرات جديدة، فمنطق « انا الكل في الكل « , يغدي لذى هذه الكائنات نزعة الإقصاء ،وتبخيس الغير ، و توهم القدرة على فعل كل شيء !!!!!
كائنات حربائية ، تتقن فن التحول من مرحلة إلى مرحلة ،والقدرة على التأقلم مع كل المراحل و الوجوه و المواقف ، يكفيها منهجا في وجودها : » لي جابها سيذي نقول ليها لالة « !!!!
لا أحد ينكر لهذه الكائنات ماراكمته من تجربة ، وما توفر لديها من خبايا الإدارة مع توالي سنوات المسؤولية ، لكن لا احد يفهم لماذا كل هذا التماهي و التباهي والتصابي في السلوك من اجل الظهور و إرسال الآخرين الى القبور للشعور بالسعادة والسرور !!!!
هذه الكائنات لا تعرف معنى الإجازة و العطل ، وحتى إذا حدث و أخدت قسطا من عطلتها تجدها تغلق المكاتب على ملفات الإدارة ،وتمنع وصول غيرها إليها حتى تعود ، وفي أيام العطلة تتصل هذه الكائنات صباح مساء بمقر العمل للسؤال عن من غاب ومن حضر !!!!
هذه الكائنات تعتبر الإدارة مملكتها الخالدة ، و لا تقبل بالتداول على المسؤولية ،ولا حتى بالمساعدة في ملف أو مجرد مراسلة ، فهذه الكائنات من صنف : « l’homme qui sait tout faire «
, والواقع أن الوجوه الجديدة تعري هشاشة مملكة هذه الكائنات!!!!
من علامات هذه الكائنات كثرة المفاتيح ، فتجدها مثقلة بمفاتيح الإدارة ،فلا تستغرب إن وجدت عندها مفاتيح المراحيض و مفاتيح الابواب الرئيسية و بعض المكاتب و حتى مفاتيح قديمة تحتفظ بها تذكارا مريضا عن أزمنة ماضية ،فأصوات إحتكاكها يوحي بالهبة و التحكم و المكانة الإدارية !!!!!
هذه الكائنات تتضايق من سفريات الموظفين والعاملين اثناء تكليفهم بمهمة خارج الإدارة ، فهذه الكائنات تعشق السفر في إطار المأموريات ، وتحب الاتصال بمصلحة الحسابات للاطمئنان على تعويضات التنقل ، وتتباهى بصور وادرع ومحفظات تلك السفريات ، فهي هناك تمثل الإدارة هنا و لسان حالها يقول : » انا وحدي مضوي البلاد « !!!!!
وعندما يأتي التقاعد او المرض ، تصاب هذه الكائنات بهستيريا وحالة اكتئاب حادة و لا تتردد في طلب التمديد متدرعة بأن ذهابها سيترك الفراغ القاتل ،والإدارة ستتوقف او تتعثر ، و ان لا احد يمتلك القدرة والمعرفة لإدارة الملفات التي كانت تحت مسؤوليتها!!!!
وعندما يأتي تاريخ المغادرة تكون هذه الكائنات حريصة على أن تهيئ بنفسها حفل تكريمها ،و تأخذ الكلمة بعبارات تختلط بالدموع لتوصي الحاضرين خيرا بالإدارة ،و تذكرهم بعنترياتها و فلسفتها في حب العمل والتضحية والتفاني
…. الحاضرون يصفقون بحرارة ولسان حالهم يقول : »اذهبي ايتها الكائنات « مشية بلا رجعة « ، فقد حاربتم الطاقات الشابة ، و منعتم تجديد آليات الإدارة ،و جعلتم الدسائس منهاجا في المعاملة فاذهبي ايتها الكائنات الى جحيم التقاعد و مارسي سلطتك البالية البائدة على غرف منازلك و بعض من جيرانك ،
في تجربتي الشخصية ،كلما التقيت بهذا النوع من الكائنات ابتسم بخبث وأقول في قرارة نفسي : » الحمد لله اني اعرفكم ، والحمد لله اني اعرف نفسي ، فتبخيس الاعمال لا ينال مني ،و التسابق الى المسؤولية ليس من طبعي ، و تلك الأيام نداولها بينكم ،
في المحصلة :
لا ضير من أن يسعى الإنسان ويكافح من أجل الارتقاء، ولكن ليس على حساب الآخرين، من يتخذ ذلك طريقاً فلربما سيصل إلى مبتغاه، ولكن لن يدوم طويلاً،
فمثلما الروائح الجميلة نشمها فإن الروائح القبيحة لها رائحة أيضاً ولكن لن يتحملها المجتمع طويلاً، وسيعمل الجميع على طردها،
وكما قال احبتنا المصريين
«ولو جريت جري الوحوش غير رزقك ما تحوش».