في ذكرى حراك الريف 28 أكتوبر 2016م

في ذكرى حراك الريف 28 أكتوبر 2016م
شارك

م.إسماعيلي

2023/10/28

للحديث عن حراك الريف لا بد من استحضار صراع المنطقة مع الدولة المركزية منذ ثورة الريف  في بداية القرن الماضي بقيادة الزعيم الراحل محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد المستعمر الإسباني ما بين 1921 و1926م مرورا بانتفاضة 1958-1959 بزعامة الراحل محمد بن الحاج سلام أمزيان  ثم انتفاضة يناير 1984م وصولا إلى حراك الريف 2016-2017 حيث لم تكن حادثة استشهاد الشاب محسن فكري سوى النقطة التي أفاضت الكأس لمواجهة الصراع الذي رغم مرور كل هذا الوقت بقيت أسبابه قائمة والتي كان قد لخصها منذ بداية الاستقلال  المؤرخ الأمريكي دايفيد مونتكمري هارت صاحب كتاب « آيث ورياغر قبيلة من الريف المغربي »   بقوله  « في عدم رضا الريفيين عن زمن الاستقلال وخيبة ظنهم في الأحزاب السياسية والحكومة المغربية التي لم يحصل فيها الريفيون ولو على منصب عامل إقليم، أضف إلى ذلك أن تخلف منطقتهم، قياسا على غيرها، عمّق الإحساس بالحُكْرَة لدى الريفيين.. » .فالمظلومية التاريخية وما تعرضت له الذاكرة الريفية ظلت حاضرة في الحراك بشكل لافت، والنفس الخطابي بقي يملأ جنبات الحراك..

ففي صبيحة يوم الجمعة 28 أكتوبر 2016م أقدمت السلطات المحلية داخل ميناء الحسيمة على مصادرة سلعة الشهيد الشاب محسن فكري أحد باعة السمك بحجة أن سمكه الذي يبيعه  ممنوع صيده وهكذا رمت هذه السلطات سلعته في شاحنة الأزبال التي كانت مرافقة لتحركاتهم فسارع البائع المسكين وبعض رفاقه إلى الصعود إلى الشاحنة لإنقاذ سلعتهم من الإتلاف لكن حسب شهود عيان فإن ممثل السلطة المسؤول عن عملية الإتلاف أعطى تعليماته لتشغيل آلة الإتلاف مستعملا قولته الشهيرة « طحن مّو » رغم علمه ومعرفته بوجود الشباب داخل الشاحنة.. وقد تمكّن أصدقاء محسن فكري من القفز والنجاة من الموت، إلا أن الشهيد محسن لم يتمكّن من ذلك حيث كان ممدداً داخل الآلة لإنقاذ سمكه لكن الآلة  سحقته بسرعة كبيرة ولقي مصرعه في الحال أمام أعين ممثل السلطة الذي لم يحرك ساكنا.. وفي تلك الليلة بدأت وقفة في المدينة احتجاحية تزعمها الشاب ناصر الزفزافي الذي سيصبح لاحقا قائدا للحراك وناطقا باسمه.. كما تم في البداية تأسيس لجنة محلية لمتابعة سير التحقيق في ملف الشهيد محسن فكري.. هذه اللجنة التي نظمت عدة مسيرات في الحسيمة ثم تطورت الأمور إلى أن أصبحت اللجنة للحراك الشعبي تقدمت بعدة مطالب اجتماعية واقتصادية.. أهم هذه المطالب ما تضمنته وثيقة الحراك الشعبي بالحسيمة التي تم عرضها على لأول مرة على السكان يوم 05 مارس2017م والتي شملت عدة مجالات منها الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية  والتي لم تختلف في مجملها كثيرا عن مطالب انتفاضة الريف لعام 1957م غير أن وثيقة الحراك كانت أكثر تفصيلا وجاء على رأس هذه المطالب ما هو استعجالي مثل:

▪︎ إلغاء ظهير 1.58.381 الذي يعتبر إقليم الحسيمة منطقة عسكرية.

▪︎ إسقاط كل المتابعات القضائية في حق بسطاء مزارعي القنب الهندي بإقليم الحسيمة والمناطق الأخرى.

▪︎ بناء جامعة متكاملة التخصصات، وما يستلزمها من مرافق.

▪︎ إتمام أشغال المستشفى الإقليمي محمد الخامس وتوفير طاقم طبي في جميع التخصصات، مع وضع حد للفوضى والتسيب الذي يعيشه المستشفى.

▪︎ بناء مستشفى خاص بالسرطان في القريب العاجل بشتى مستلزماته وطاقمه الطبي.

▪︎ الإسراع في استكمال أشغال مستشفى إمزورن وفتح تحقيق في الخروقات التي طالته، مع توفير طاقم طبي الكفيل لتلبية الخدمات اللازمة بمستشفى تاركيست.

▪︎ تعميم المستوصفات والخدمات الطبية على باقي مداشر وقرى اقليم الحسيمة والنواحي، مع تزويدها بمختلف الآلات الضرورية (إسعاف، راديو، أدوية..) وكل الموارد البشرية الكفيلة لمباشرة العمل فيها.

▪︎ إحداث مركز خاص لذوي الاحتياجات الخاصة يشمل مختلف التخصصات (الترويض، التأهيل، العناية الطبية….).

▪︎ تخفيض تسعيرة الماء والكهرباء.

▪︎ مراقبة أسعار المواد الغذائية والإستهلاكية وتخفيضها بما يتلاءم مع القدرة الشرائية للمواطنين، ووضع حد للوبيات المحتكرة لتوزيع تلك المواد الغذائية وبخاصة في مجال سوق الخضر والفواكه.

▪︎ تقديم جميع المتورطين في مقتل الشهيد محسن فكري إلى العدالة والذهاب بالتحقيقات إلى أبعد مدى مع الإفراج على النتائج في أقرب وقت، مع ضمان عدم تكرار هذه الجرائم.

▪︎ الكشف عن حقيقة ملف الشهداء الخمس في البنك الشعبي خلال أحداث 20 فبراير 2011م.

▪︎ إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتسوية وضعيتهم من خلال مراجعة الأحكام القاسية التي صدرت في حقهم حتى يعودوا إلى أعمالهم من بينهم الأستاذ محمد جلول.

ومطالب أخرى تحتاج لآجال  ووقت لإنجازها دون أن  يتم تغافلها  والبدء في تنفيذها ومنها:

▪︎ رفع حقيقي للتهميش والحصار الاقتصادي

▪︎ هيكلة وتشجيع أرباب الصيادين الصغار لضمان قوتهم اليومي مع إيجاد حلول قانونية لحمايتهم.

▪︎ إعادة النظر في مشاكل البحارة وأرباب مراكب الصيد بعين من المسؤولية والجدية لضمان السير العادي لهذا القطاع ومن أجل وضع حاد للفساد الذي يعيشه قطاع الصيد البحري.

▪︎ إيجاد حل لعمال الميناء غير المنضويين تحت أي إطار (الحمالة..) وحمايتهم من الناحية القانونية (التغطية الصحية الإجبارية، التقاعد..).

▪︎ تشجيع الفلاحين البسطاء وتقديم يد المساعدة لهم.

▪︎ استغلال مؤهلات المنطقة الفلاحية لتحقيق اكتفاء ذاتي غذائي.

▪︎ التشجيع على خلق معامل خاصة لتصبير السمك، عبر منح امتياز ضريبي في هذا المجال.

▪︎ التشجيع على خلق معامل خاصة للصناعة الغذائية، عبر امتياز ضريبي في هذا المجال.

▪︎ الإعفاء اوالإمتياز الضريبي للمقاولات الصغرى والذاتية

▪︎ منح الأولوية لساكنة الإقليم للولوج إلى وظائف المؤسسات العمومية المتواجدة بالإقليم.

▪︎ الإسراع في تنفيذ أشغال المنطقة الصناعية بتغانيمين المخصصة للمهنيين والحرفيين.

▪︎ خلق برامج طموحة حقيقية للقضاء على البطالة

▪︎ إحداث منشآت سياحية تعرف بجمالية وتاريخ المنطقة في مختلف مناطق الإقليم (محطات ثلجية بإساكن- شقران-بني عمارث)، مع إعطاء الأولوية لأبناء المنطقة للتشغيل بها.

▪︎ ربط إقليم الحسيمة بخط السكة الحديدية.

▪︎ ربط الإقليم بالشكبة الوطنية للطرق السيار.

▪︎ التسريع في إتمام أشغال الطريق الربطة بين تازة- الحسيمة.

▪︎ توسيع مطار الشريف الإدريسي بإقليم الحسيمة وفتح خطوط جوية جديدة بأسعار مناسبة على غرار باقي المطارات.

▪︎ فتح خطوط بحرية جديدة دولية ووطنية، لتسهيل عملية العبوربين الحسيمة وأوروبا وباقي المدن المغربية.

▪︎ تعزيز الشبكة الطرقية بين مختلف مداشر إقليمي الحسيمة والدريوش.

▪︎ فتح مختلف التخصصات والشعب والمسالك التعليمية المعتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية: التخصصات التقنية والعلمية، الأقسام التحضيرية….

▪︎ إحداث معاهد للتكوين المهني والمعاهد المتخصصة في التكنولوجيا التطبيقية على امتداد مختلف البلديات إقليمي الحسيمة والدريوش.

▪︎إحداث مستشفى جامعي بإقليم الحسيمة.

▪︎ تجهيز مركز تحاقن الدم بالاَلات اللازمة وإمداده بطاقم طبي متخصص.

▪︎ الشروع في إتمام أشغال متحف الريف وفتح تحقيق نزيه بخصوص الخروقات التي طالته، مع الحفاظ وترميم كل المآثر التاريخية لمنطقة الريف.

▪︎ بناء مكتبة إقليمية تتوفر على مراجع تهم بالدرجة الأولى كل الأبحاث والدراسات التي تهتم بالريف، وكل ما يتعلق بالبحث العلمي.

▪︎ إحداث مركز ثقافي يشمل مختلف الأنشطة والأجنحة الثقافية (مسرح، معهد موسيقي، جناح خاص بالأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة….)

▪︎ إنشاء مراكز خاصة بالنساء للاستفادة من مختلف التكوينات الثقافية والمهنية موزعة على مختلف الجماعات الترابية بالإقليم والنواحي.

▪︎ إحداث مركز جيوفزيائي متخصص في الزلازل والكوارث الطبيعية مع إحداث برنامج للحد من آثارها السلبية.

▪︎ إتمام أشغال الشطر الثاني من ملعب “ميمون العرصي” لكرة القدم.

▪︎ إنشاء ملعب جديد لكرة القدم بمعايير دولية.

▪︎ إنشاء ملاعب كبرى لكرة القدم بكل من مدينتي تاركيست وإمزورن.

▪︎ إنشاء مراكز تشمل مختلف الأنشطة الرياضية موزعة على مختلف جماعات الإقليم والنواحي.

ومطالب اجتماعية واقتصادية أخرى كثيرة..

ركز الحراك الشعبي منذ انطلاقته في 28 أكتوبر 2016م على مبدأ المسيرات السلمية ونظم قادته عدة خرجات كبرى منها:

–  مسيرة « الشموع والورود » يوم الجمعة 11 نوفمبر 2016م حيث انطلقت من الساحة الكبرى وسط مدينة الحسيمة ليضع المتظاهرون الورود وإضاءة المكان الذي سقط فيه الشهيد محسن فكري..

– مسيرة الأكفان  من أجل الحياة يوم 09 أبريل 2017م تزامنا مع زيارة معلنة لوزير الداخلية للإقليم وقد جابت المسيرة  مختلف أحياء المدينة حيث ارتدى المتظاهرون أكفانا تعبيرية  رافعين  شعارات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث التي شهدتها منطقة إمزورن، وأخرى تطالب بالاستجابة لمطالب الحراك. ويهتفون بمجموعة من الشعارات، من بينها، “الشعب يريد مَن قتل الشهيد”، و”شعب الريف قرر.. إسقاط العسكرة”، و”هي كلمة واحدة هاد الدولة فاسدة”.

– مسيرة  « لسنا انفصاليين  » بتاريخ  18 ماي 2017م وتعتبر أضخم مسيرة في تاريخ الحراك الشعبي بالريف  ضد اتهامات  السلطة للحراك بالانفصال وتلقي تمويلا أجنبي من جهة وردا قويا على السلطة وتصريحات قادة أحزاب الأغلبية عقب لقائهم بوزير الداخلية آنذاك عبد الوافي لفتيت حيث صرح خالد الناصري القيادي في حزب التقدم والاشتراكية ووزير الاتصال سابقا للقناة الأولى  قائلا: “تبين لنا بأن خرافة المطالب الاجتماعي هي خرافة سرعان ما تبخرت، لأن المطالب التي تُحرك الاحتجاجات، فيها تطاول وقفز على الخط الأحمر عبر مجموعة من المطالب بنفس انفصالي” مضيفا في نفس التصريح “أن هذه المطالب لا يمكن للبلاد التي تبني ديمقراطيتها وعدالتها أن تقبل بها” حسب قوله. كما صرح رشيد الطالبي العلمي عضو المكتب السياسي لـ »التجمع الوطني للأحرار بقوله: « إن الأوضاع في إقليم الحسيمة تطورت بشكل طبيعي في البداية، لكنها سرعان ما بدأت تعرف بعض الانحرافات قادتها مجموعة مسخرة من الخارج لم يفلح معها الحوار ». وأضاف قائلا: « أن كل العناصر تثبت بأن أفراد هذه المجموعة منخرطين في مسلسل التمويل من الخارج من قبل خصوم الوحدة الترابية ». وأن « المغرب لا يمكنه القبول بهذا الوضع ويطالب بتطبيق القانون في حق الأشخاص الذين يقومون بتخريب الممتلكات العامة والترويج لأفكار هدامة الغرض منها خلق الفتنة في المنطقة ». وقال محمد ساجد، الأمين العام لحزب « الاتحاد الدستوري »، إن « هذه المطالب التي كانت في البداية مشروعة، تحولت في الآونة الأخيرة إلى مطالب تمس بثوابت البلد ». وطالب بتطبيق القانون في حق النشطاء « الذين يقومون بهذه الأعمال التي تخرب وتشكك في الوحدة الترابية للمملكة ».

– مسيرة وطنية في العاصمة الرباط يوم 11يونيو2017م تحت شعار : “وطن واحد، شعب واحد ضد الحكرة”، هذه التظاهرة الوطنية  التي رغم أجواء الحرارة، وتزامن المظاهرة مع نهارٍ في شهر رمضان، إلّا أن ذلك لم يمنع عشرات الآلاف من المغاربة  للاستجابة  لها بشكل عفوي وتلقائي وقوي حيث عرفت مشاركة  القوى الحية الديمقراطية، السياسية و النقابية و الحقوقية و النسائية و الشبابية والثقافية و الجمعوية، فكانت تلك المشاركة الكثيفة  في المسيرة الوطنية الاحتجاجية، والتي امتلأت بها شوارع الرباط. وقد جاءت هذه المسيرة في سياق تكامل كل ربوع الوطن في مواجهة الاختيارات المخزنية الأمنية أمام تصاعد الاحتجاجات السلمية، في كل مناطق المغرب، وبالخصوص بمنطقة الحسيمة، خاصة بعد اعتقال أبرز نشطاء الحراك، وبمبررات واهية وبهدف وضع حد للحراك المطلبي العادل و العارم.. وقد حضر العلم الأمازيغي بقوة في المسيرة، إلى جانب علم حركة 20 فبراير، كما حمل عدة متظاهرين العلم المغربي.. كما شارك في المسيرة عدد من أسر معتقلي حراك الحسيمة، ومنهم والدي ناصر الزفزافي، وأفراد من أسرة محمد أصريحي ومحمد جلول.

وكعادة النظام المخزني  في تعامله مع الحركات الاحتجاجية بعقليته الأمنية لجأت السلطة إلى القمع والترهيب والتخوين والاعتقال والاختطاف لكسر شوكة الحراك وهكذا تم استغلال حادثة المسجد  إذ عقب مقاطعة ناصر الزفزافي لخطيب يوم الجمعة 26 ماي 2017م  بأحد مساجد المدينة والذي  اعتبر الحراك فتنة للمسلمين، أصدرت النيابة العامة أمرا باعتقال الزفزافي يوم 29ماي 2017م ثم توالى اعتقال عدد كبير من نشطاء الحراك منهم محمد جلول ونبيل احمجيق وقد تجاوز عدد المعتقلين المئات تم نقل عدد منهم إلى الدار البيضاء حيث وجهت لهم تهم المس بالسلامة الداخلية للدولة و عدة أفعال أخرى تشكل جرائم بمقتضى القانون.. وقد أصدرت المحاكم في حق نشطاء الريف احكاما قاسية وصلت إلى 20 سنة سجنا كما هو الحال لناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق وسمير أغيد ووسيم البوستاتي..

لقد استمرت الاحتجاجات التي شملت عدة مدن في الريف وخارجه لأزيد من ثمانية أشهر منذ استشهاد محسن فكري في يوم الجمعة الأسود 28 أكتوبر 2016م . حيث عرف المغرب حالة احتقان سياسي بعد الانتخابات البرلمانية لـ 7 أكتوبر 2016، بسبب “البلوكاج” السياسي الذي حال بين رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بنكيران، رئيس حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات، وبين تشكيل حكومته. لكن ذلك، سيتغير مباشرة بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في 7 أبريل 2017 برئاسة سعد الدين العثماني، حيث اختارت السلطة تطويق حراك الريف من خلال تبنيها للحل   الأمني بدل الحوار والانصات لمطالب الحراك العادلة والمشروعة.. وهكذا عمد النظام مستعينا بأدواته من أحزاب الأغلبية الحكومية وخطباء المساجد ووسائل الإعلام الرسمية واخرى مقربة منه إلى الترويج لتهمة الانفصال والتخوين والعمالة للأجنبي.. ثم اللجوء إلى اعتقال ومحاكمة النشطاء حتى فقد  الحراك بريقه باعتقال زعماءه ، واقتصاره على المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ، وإسقاطه المطالب الاجتماعية والاقتصادية ، وتبرُّئه ، بل إنكاره لأي مطلب يمس الجغرافية او الإثنية.. لقد ارتكب قادة الحراك بسبب انعدام التحليل السياسي الدقيق ، أخطاء خطيرة كان يستحسن تفاديها وتجنبها ، لأنها بقدر ما كانت تسيء إلى الحراك ، وتضيق على رقعته وامتداداته ، فإنها كانت سببا رئيسيا في فشله ، وهو فشل كانت أوضح تجلياته في انطفائه ، وتحوله الى رماد يعلق أياً كان شماعته عليه .

فهكذا سنجد تبادل الاتهامات بين زعماء الحراك ، وتحميل كل طرف للأخر ، مسؤولية الفشل الذي لمس حتى الحقل الإعلامي ، الذي غطى على الحراك بما كان يجري أنذاك في بورما وفي اليمن. وتعود أسباب فشل الحراك إلى الأمور التالية:

☆ دخول حركة 18 سبتمبر ونشطاء الريف الانفصاليين بالخارج (هولندا – بلجيكا – ألمانيا – إسبانيا) على الخط. ومن خلال تصريحات سعيد شعو وبعض الزعماء الآخرين بالمهجر تبلور خط اندفاعي جديد تجاوز المطالب الاجتماعية والاقتصادية للحراك إلى المطالب السياسية والجغرافية والإثنية

☆ التحول الذي طرأ على المطالب والانزلاق نحو التركيز على الجغرافية والإثنية سيتسبب في خنق الحراك لنفسه وسيكون بمثابة من يغرس بذور فشل فشله ليحصد في النهاية إفلاس تاما. فالتركيز على الجغرافية والإثنية هو تأسيس للتمايز والاختلاف الطائفي . وعوض تعريض القاعدة الشعبية المفروض ان تدعم الحراك في مطالبه الاجتماعية والاقتصادية ، حصل تباعد شعبي عن الحراك ، بل تولد عند عامة الشعب ، توجسا وخوفا مما يجري..

☆ قراءة خاطئة  للاحتفان السياسي آنذاك الناتج عن عدم تمكن عبد الإله بنكيران من تشكيل حكومته الثانية حيث اعتبره قادة الحراك  في الداخل والخارج ضعفا للنظام القائم وان الظرف أصبح مواتيا ، والفرصة سانحة لخلق وضع جديد ،طالما حلم به الريفيون منذ خمسينات القرن الماضي.. بل ذهب البعض إلى الاعتقاد أن الوضع كما تمت قراءته قد يساهم في تغيير جذري للنظام بالمغرب.. وهكذا تم رفع صور الكولونيل محمد اعبابو والضباط الذين شاركوا في انقلاب صغيرات عام 1971م الذي كان سيؤسس حسب فهمهم لجمهورية أمازيغية..

☆ غياب دعم الشعب المغربي للحراك الذي حكم على نفسه بالتمايز والتخندق والانعزالية وبالتالي انفصال الحراك عن نضالات الشعب المغربي التي كان يخوضها في مختلف مناطق وأقاليم البلاد..

هل سيستأنف حراك الريف نشاطه في الأمد المنظور؟

لا أحد يستطيع الإجابة على هذا السؤال. فالانتفاضات الشعبية لا تسير وفق التمنيات والتوقعات بل يولدها الضغط والسياسات الفاشلة والحكرة والظلم في أي منطقة أو إقليم أو مدينة.. ويبدو أن حجم القمع والأحكام القاسية فضلا عن إفراغ منطقة الريف من قاعدته الشابة عبر الهجرة السرية التي تسامحت معها آنذاك أوروبا وفي مقدمتها إسبانيا قد حرمت المنطقة من أطرها الشابة التي تمرست طيلة سنة الحراك على أساليب النضال والمواجهة.. وقد ينفجر الوضع من جديد سواء في الريف أو جرادة أو كلميم أو أي مكان آخر بالمغرب فحجم القنبلة الاجتماعية التي راكمتها السياسات اللاشعبية المتبعة والتي فاقمتها أزمة كوفيد 19 وموجة الجفاف والغلاء وتداعيات الحرب في أوكرانيا.. كل ذلك يجعل من المغرب يغلي وقد تحين نقطة الغليان في أي لحظة..

لن يفي مقال واحد الإحاطة بموضوع الحراك مهما حاول أن يكون مركزا قدر الإمكان لكن النقاش الجاد والهادف الذي قد يثيره كفيل بتوسيع رقعته وتوضيح ما يحتاجه ورفع أي لبس عن أي جانب تطرق له.. وللحديث بقية

المصادر والمراجع:

* حراك الريف: ديناميات الهوية الاحتجاحية، دراسة ميدانية، محمد سعدي، الطبعة الأولى، أكتوبر 2019، دار النشر سليكي أخوين، طنجة.

* الدولة وحراك الريف: السلطة، السلطة المضادة وأزمة الوساطة، مؤلف جماعي، الطبعة الثانية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط.

*الدولة وتدبير حراك الريف: تدبير أزمة أم أزمة تدبير، د محمد الغبزوري، الطبعة الأولى، سبتمبر 2020، دار النشر سليكي أخوين، طنجة.

* حراك الريف: نضال شعبي بطولي من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، كتاب جمعية أطاك المغرب، فبراير 2018م.

* حراك الريف: السياق والتفاعل والخصائص، دراسة، عمر أحرشان، سياسات عربية، 2018م.

* حراك الريف: خلفيات الأزمة ومدخل الحل، دراسة، د محمد المصطفى بن الحاج، المعهد العربي للبحوث والدراسات، 2018م.

* وثيقة مطالب الحراك الشعبي بإقليم الحسيمة، والمعروضة على عموم الجماهير الشعبية خلال المسيرة الاحتجاجية التي نظمها نشطاء الحراك الشعبي مساء يوم الاحد 05 مارس 2017م.

* أمننة” حراك الريف ونتائجه السياسية، مقال، إسماعيل حمودي، MIPA Institute

* حراك الريف: سيرة نضال مُجهض، مقال، علي أموزاي، موقع حبر، 28أكتوبر2022م.

* هل فشل حراك الريف، مقال، سعيد الوجاني، الحوار المتمدن، 06سبتمبر2017م.

* لماذا فشل حراك الريف بالمغرب؟!، مقال، صالح أمهاوش، الجزيرة نت، 27أبريل2019م.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *