الحب الحقيقي

ثريا الطاهري الورطاسي
الحب الحقيقي لا توسفه حروف ولا كلمات ولا حتى معان، هو قمة النضج والتجربة الوجودية العميقة التي تنزع الإنسان من مختلف آلامه، وتجعله بعيدا عن صقيع وحدته القاتلة، فيدفع به إلى دروب الحياة الدافئة الممتعة مع الوجوه الطيبة والجميلة ويتم تقاسم كل اللحظات الهنية، فنشعر بالطمأنينة حتى في أسوأ المحطات وبذلك فأحبتنا يستحقون منا أن نمنحهم العمر كله بلحظاته وأوقاته ونغدق عليهم / عليهن كل الحب المتدفقة شلالاته، اللامتناهية سويعاته.
الحب الحقيقي ليس
فارسا متخيلا يمتطي صهوة جواده، وليس رعشة انتشاء تسري في الروح قبل البدن، ولا هو سحابة صيف عابرة. كما أنه ليس حياة هنية وردية، وقد يكون مصحوبا باللحظات العصية الصعبة، أو الفترات السامحة بتخطي كل الحواجز والمعيقات ، والتشبث بالإلزام والالتزام المتقاسم الذي يولده التفاهم والتوافق الناهل من أحواض الكرامة ، المشبع بالتسامح ، المقتنع بتشاركية القيم والسلوكات والمسلكيات ، كلما تعلق الأمر بالتمييز بين الخطأ والصواب ، فلا ولن يتحقق إلا بوضوح الرؤى بين الطرفين واستحضار الخصوصية المميزة لكل منهما ، كي لا نقع في شرك ودوامة الإحراج الذي يؤثر بالسلب على المسيرة الحياتية ويزج بها في نقاشات لا منتهية .
كما أن الحب الحقيقي ليس بالسحابة العابرة، بل هو السماء الصافية، والنسمة الحانية والدعوة الجميلة لأحبتنا – بغض النظر عن مواقعهم بالنسبة لنا – وهو تجربة إنسانية نسامح فيها ونتسامح مع من يقاسمنا ويشاركنا نفس المشاعر والأحاسيس، ويساندنا على تخطي كل الصعاب، ويخاف علينا بشكل تقابلي، يرشدنا ويوجهنا لتخطي مختلف العقبات والأزمات لمواصلة مسيرة الحياة على نفس النهج الملتزم به في صيغته الثنائية أو التشاركية في حالات المحبة الجماعية المتعددة الأطراف.
الحب الحقيقي هو الذي يسعى فيه الطرفان باستمرار إلى المحافظة على وضوح وسلامة علاقتهما، والتحلي بالتضحية والرغبة في التصالح مع الذات أولا، ومع الآخر ثانيا، فمن أجل هذا الآخر، الذي قد يكون زوجا(ة)، ابنا وبنتا أخا وأختا …. أو ما الى ذلك. ومن أجل كل أولئك تمحى الأنانية، للمحافظة على الخيط الناظم للنسيج العلائقي بيننا، بعيدا عن كل رياء عاطفي أو اجتماعي.
ويبقى الحب الحقيقي شاملا وموجها لأناس سطروا أسمائهم ونقشوها بمداد من الفخر في القلب والذاكرة، وأناروا دروب حياتنا في تشاركيتها المطلقة، مغيرين عتمة النفس، محولينها إلى نهار مشرقة شمسه على الدوام، الأمر الذي يجعل قلوبنا تنبض بحبهم وتقديرهم على الدوام، ويرفض القلب أن ينساهم أو يتغافل عنهم (عنهن) وكيف لا وهم (هن) المستوطنين في القلوب والقاطنين دواخلها، فهم الذكرى المنقوشة بمداد الفخر والمحبة في القلب والذاكرة عبر مجريات الحياة. ومن جهة أخرى فالحب الحقيقي لا ولن يموت أبدا، رغم أنه قد يعرف بعض التوقفات، أو يتعرض لبعض الهزات الطارئة، غير أنه لا ولن يعرف الاستسلام، وقد يكون بمثابة عكازة، يتم اللجوء إليها في حالة اليأس الطارئ، فنكون ملزمين (ات) بأن ننصت إلى همومهم ونبحث عن كل ما يدخل البهجة عليهم وعليهن، دون أن ننتظر أي مقابل أو جزاء. وأخيرا فإن الحب الحقيقي هو الكتف التي تسندنا وتؤازرنا حين تثقلنا هموم الحياة المتنوعة والمتشابكة، التي زادتها الألفية الثالثة ضراوة، وهو كذلك بمثابة الروح الجميلة والقلب الطيب والموقف الرصين، والكلمة الوازنة، التي تجعل خاصية الحب وَلاّدَةُ للاهتمام المسترسل غير المشروط، المتجلي في مختلف سلوكاتنا وقراراتنا ومواقفنا الحاضرة والمستقبلية، وهو النهر الدافق الذي ننهل منه قيم المحبة والوفاء خلال أوقات ضعفنا، سيما أنَّا نعتقد أن المحبة ماهي إلا نعمة الاهية وأعطية ربانية ، ننعم بها قبل ان يلهينا الزمن وتطوحنا الاقدار الى البعيد ، وقبل أن يحين وقت الانتهاء وتدق ساعة الزوال ، فنغيب وكأنا لم نكن أبدا . وفي مقابل كل ذلك، فإن نبض القلوب لا يمكن أن تنسى أو تتناسى مختلف الأحبة بغض النظر عن درجاتهم أو مواقعهم في منظومة المحبة المتعددة المشارب والاطراف.