يوم عالمي للتكريم وأيام من العنف والإقصاء والتقزيم

يوم عالمي للتكريم وأيام من العنف والإقصاء والتقزيم
شارك

   بقلم: بوشعيب حمراوي

    يمضي اليوم العالمي للمرأة كسابقيه، زاهيا بالتكريمات النسوية والشهادات المبجلة للمرأة.

يمضي ثامن مارس من كل سنة ميلادية حاملا معه آمالا وأحلاما نسوية كتب لها أن تبقى حبيسة الندوات والمؤتمرات والتوصيات.

يمضي كعادته بنفس البهرجة والتسويق الإعلامي. جارفا كل المطالب والوعود، بسبب جبروت وتسلط بعض الذكور من البشر، الفاقدين لكل صفات الإنسانية والرجولة.

 منهم هؤلاء المسلمون بالوكالة ومعهم المنتسبون الذين لا شغل لهم في الحياة الدنيا سوى تحقير الإناث وإبعادهن عن كل مناحي التدبير والتسيير الأسري والمهني، وسلبهن حقوقهن وتجريدهن من كل معاني الكرامة والعفة التي تميز الإنسان عن الحيوان.

 هؤلاء الذين يسخرون القوانين الأرضية والربانية لضرب المرأة وتمييع الأنوثة. البارعون في انتقاء وتأويل السور والآيات القرآنية التي يقفون في معظمها عند “المال والبنون زينة الحياة..”، “نساءكم حرث لكم..”، “للذكر مثل حظ الأنثيين..” … لتبرير جرائمهم ضد جنس حواء، في الإرث والزواج والمتعة والطلاق والوصاية والحجر والأعمال الشاقة المنزلية والفلاحية….

منهم هؤلاء المتشبثون بظهائر شريفة تعود لعصور ولت، لم تكن حينها تقيم وزنا ولا قيمة للمرأة، نذكر منها على الخصوص تلك التي تستثني النساء السلاليات من الإرث وتحرمهن من حقوقهن المشروعة دستوريا ودينيا، حيث تعيش آلاف النساء والأسر التي أفرزتها على مدى عقود، جحيم الفقر والتشرد.

ظلم الذكور لا زال قائما ومستمرا، حتى بعد أن أصبحت للمرأة أدوار رائدة، فأنانيتهم وغرورهم جعلهم يواظبون على اعتبار المرأة قاصرا وناقصة عقل، والاستفراد بمناصب القيادة على اعتبار أنهم هم الراشدين القادرين على توجيه الإناث ومصاحبتهن.

هذا الظلم الغريزي الموروث الذي جعلهم يرفضون الاقتناع بأن للمرأة قدرات عقلية وفكرية وسلوكية وحتى جسدية تضاهي أو تتجاوز قدرات الرجل، وأنه لا بد من التعاون والتلاحم والتكامل، وأن القيادة والريادة في مختلف القطاعات تسلم لمن يستحقها بغض النظر عن جنسه..

ككل سنة ميلادية يرحل عنا شهر مارس حاملا سيولا من دموع وعرق ودماء نساء العالم.. معاناة وإقصاء نسائي، وحسرة تحبط الجنس اللطيف، بسبب التقصير الذكوري السنوي المستمر لهذا الشهر الذي يتظاهر مبدعيه. وكأنه أعد خصيصا لإنصاف وتكريم المرأة بكل فئاتها.

كما يرحل معه شهر اكتوبر من كل سنة الذي يزخر بعدة مناسبات نسائية. وطنية ودولية. والتي يطالها الإهمال. نذكر منها (اليوم الوطني للنساء) الذي يتزامن مع العاشر من أكتوبر من كل سنة. واليوم العالمي للفتاة الذي يتزامن مع 11 أكتوبر من كل سنة، ونفس الإهمال يطال حتى المرأة القروية، المفروض أن نحتفل بها دوليا يوم 15 أكتوبر من كل سنة.

 ما دفعني إلى التذكير بمواعيد الاحتفاء بنساء المغرب بكل فئاتهن.

ما تعيشه المرأة القروية، وخصوصا الفتاة القاصر المنحدرة من أسر معوزة أو مفككة أو منعدمة، من بؤس وفقر وضياع وسوء معاملة.. أوضاع مأساوية يقابلها شح إعلامي وحقوقي وسياسي وكأن الكل متفق على أن تشقى الطفلة وتخدم في البيوت والحقول والمقاهي والمطاعم، بمعنى أننا أصدرنا حكمنا النهائي بأن الفقر واليتم والتفكك الأسري هي تهم تكون فيها الطفلة هي المذنبة، وأن شقاءها وعذابها هو حكم صادر بعد الإدانة.

الحقيقة التي يجب على الكل أن يعترف بها، هي أن هناك. بعيدا عن حماة الجنس اللطيف ورعاة الطفولة البريئة، توجد نساء فقيرات تعشن خارج تغطية كل لوازم الحياة، وفتيات وأمهات ساقهن القدر إلى العمل بجانب الرجال.

مجرد إماء لديهم بين أحضان البؤس وأنياب الجهل واللامسؤولية. تذوب شموع أجيال نسوية في أعالي الجبال وسفوح السهول، ووسط الحقول والبوادي المنسية.

تلك المرأة التي تغتصب في نفسها وجسدها ومستقبلها من أجل تحقيق نزوات زوج أو شقيق أو أب، أو من أجل الحصول على فتات المال والطعام لإنعاش أسرتها المعوزة بممارسة الأعمال الشاقة.

هنا أم تنزف عرقا دما وشرفا وتذبل كالأزهار، حرصا على أبنائها وبيتها، وهناك فتاة صغيرة كتب عليها الحرمان من الدراسة والتكوين والحضن الدافئ، حرمت من الاستمتاع بطفولتها، لترغم على العمل كخادمة بيوت، أو بائعة بالتجوال أو عاملة في الحقول أو.. أو..

ينتهي مسار معظمهن إلى الانحراف والمرض والضياع، حيث تفضل الأسر الميسورة تشغيل الفتيات القرويات لتفادي وقوع حوادث مخلة بالشرع بينهن وبين أحد الأبناء أو الأزواج داخل المنزل، ولضمان خادمات بأجور زهيدة بدون أدنى حقوق التي من المفروض أن تضمنها مدونة الشغل.

وإذا كانت بعض هذه الأسر تعتني بخادماتها وتقيم لهن مقاما محترما إلى جانب أبنائها، فإن معظم الأسر تعامل الخادمات بعنف (عنف اللفظ والعمل والتغذية والمبيت.. وعنف جسدي وتحرش) ينتهي بتحطيم شخصية الطفلة الخادمة التي قد تعرج إلى الانحراف أو قد تصاب بأمراض نفسية أو عضوية، لتعود إلى أسرتها الفقيرة وتزيد من معاناتها..

ورغم ما تطلقه فعاليات جمعوية وحقوقية من نداءات من أجل وقف تشغيل الفتيات القاصرات، والتأكيد على ضرورة تمكينهن من حقوقهن في التمدرس والتكوين والحياة الكريمة، إلى جانب الأطفال، إلا أن ظاهرة تشغيل القاصرات، زادت استفحالا، وعاد الحديث عن تزايد سماسرة الخادمات بسبب العوز الأسري، والحاجة المستمرة لهذا النوع من الخادمات داخل منازل الأسر الميسورة.

فلا أحد من الرجال ينكر أن المرأة المغربية فرضت بقوة وجودها ومكانتها في كل مناحي الحياة (العلمية والأدبية والثقافية والفنية والرياضية و…)، وطنيا ودوليا، لكن لا أحد ينفي كذلك أن المرأة هي الأكثر عرضة لكل أنواع العنف والإقصاء والتهميش في كل خطواتها ومساراتها..

ولا أدل على ذلك، أنه عندما يتم تشخيص العنف اللفظي والجسدي وإحصاء وتصنيف ضحاياه، نجد المرأة في صدارة الضحايا داخل الأسرة ومقرات العمل وبالشارع العام، تضاف إليها إكراهات التحرش والاستخفاف التي تواجهها أينما حلت وارتحلت.

إن أكثر ما يهين المرأة بالمغرب والعالم، هي تلك الأيام الوطنية والدولية المهزلة الخاصة بالأم، المرأة، النساء، الزوجة، الفتاة، الأسرة…”، تلك المناسبات التي يقرها الذكور لتهدئة غضب واستياء وإحباط الإناث، ولتكون فترات سنوية للفسحة والترفيه بالنسبة للعنصر النسوي، بعد أشهر من التهميش والإقصاء والمهانة داخل زنازين الذكور، بدليل عدم اهتمامه بها..

أيام وطنية أعدت لإنصاف المرأة وتقييم مكانتها ودورها. وليس لاستمرار احتلال العنصر الذكوري لكل مناحي الحياة، وفرض جبروته. ورفضه منطق المساواة الذي تفرضه الطبيعة على كل الكائنات الحية، والذي هو السبيل الوحيد لاستمرار الحياة، ولعل أكبر دليل على سمو الإناث ما يقع داخل مملكة النحل التي تنتج العسل، وتتربع على عرشها أنثى. بأمر رباني . فما مدى قيمة هذا المنتوج البشري الذي يرفض إنصاف المرأة ؟؟…

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *