خلاصات من حالة لبلوكاج الحكومي، وسبل الارتقاء بالعمل السياسي

خلاصات من حالة لبلوكاج الحكومي، وسبل الارتقاء بالعمل السياسي
شارك

  بقلم الأستاذ، حميد المُعْطَى

لعل مصطلح البلوكاج الحكومي، من إبداع المغاربة لأن البحث في أدبيات الفكر السياسي والوقائع السياسية لا يجدي نفعا، لحضور هذا المصطلح الخاص بالحياة البرلمانية في المغرب. قد نجد شبيها لمعناه في الدول الأخرى ولا سيما في اسبانيا وإيطاليا واليونان،  وإلى حد ما في ألمانيا وهي الأزمة الحكومية ولكن شتان بين أسباب ونتائج البلوكاج الحكومي والأزمة الحكومية. فالأزمة تحدث لما يجد الحزب الأول نفسه غير قادر على تكوين أغلبية حول رؤيا واحدة وبرنامج حكومي واحد، ويكون الحزب الأغلبي هو المتحكم وله الكلمة الأولى والأخيرة في المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى في البروفيلات لمختلف المناصب الحكومية، فإذا فشل في تكوين حكومة بهذه المواصفات تحدث أزمة يمكن حلها بمختلف الطرق المتاحة، حسب السياقات وظروف الدول وقوانينها الأساسية  كتكوين حكومة أقلية، أو الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها أو تكوين حكومة ائتلافية، وفي جميع الأحوال تبقى للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات الصلاحية في المبادرة للاستشارات والمفاوضات مع الأحزاب الأخرى .

أما في المغرب فتم البلوكاج من قبل الأحزاب الأخرى التي كان يعنيها المشاركة في الحكومة، والتي كانت تفرض شروطها على الأمين العام للحزب  الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية سنة 2016  السيد بنكيران المعين كرئيس للحكومة من طرف صاحب الجلالة حسب مقتضيات الفصل 47 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

واستمر البلوكاج عدة شهور، لأن رئيس الحكومة المعين لم يرد الرضوخ للأحزاب المعنية بالمشاركة، وكان يتزعمها رئيس التجمع الوطني للأحرار الذي لم يكتف بالدفاع عن حزبه لتحقيق مكتسبات إيجابية في عدد الحقائب الوزارية والقطاعات المراد الإشراف عليها، ولكنه تعدى هذه الحدود وشرع يتفاوض باسم الحركة الشعبية وأصر على إدخال الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي على الفريق الحكومي وإبعاد حزب الاستقلال من هذه الحكومة. هذه الضغوطات لم يتحملها السيد رئيس الحكومة المعين لتشل الحركة في المرافق الحكومية وتوقفت المفاوضات .

وقدمت عدة اقتراحات للخروج من البلوكاج، كالدعوة لانتخابات مبكرة أو تعيين رئيس الحكومة من الحزب الثاني من حيث النتائج وجاء الحل والمخرج من البلوكاج من الديوان الملكي الذي حافظ على روح المنهجية الديمقراطية بتعيين الملك السيد سعد الدين العثماني من الحزب الأغلبي وكلفه بتكوين الحكومة.

فكان للسيد أخنوش ما أراد، ورضخ العثماني لجميع الشروط التي فرضها عليه التحالف الرباعي، المكون من تجمع الأحرار والاتحادين الاشتراكي والدستوري والحركة الشعبية وبقي حزب التقدم والاشتراكية وفيا لتحالفه مع حزب العدالة والتنمية في حين تم إقصاء حزب الاستقلال، من المشاركة في الحكومة،  بإملاء من التحالف الرباعي، مكتفيا  بالمعارضة مع البام الذي أعلن منذ البداية أنه لن يجلس جنبا إلى جنب في مجلس حكومي مع حزب العدالة والتنمية.

من الطبيعي أن تكون لحكومة بهذه التشكيلة الفسيفسائية وكذا ظروف ولادتها القيصرية، سواء في نسختها الأولى أو الثانية، أن تكون نتائجها محدودة وإنجازاتها محسوبة، ورؤيتها ضبابية وعناصرها غير منسجمة، بل مختلفة من حيث التكوين والمسار والإيديولوجيا ومن حيث الأهداف والنوايا وشخوصها لا تربطهم بالعمل الحكومي التضامني إلا الخير والإحسان، وضرورة الحضور في المجلس الحكومي والاهتمام بأجندة الاستحقاقات المقبلة ل2021 أكثر من اهتمامها برهانات الوطن وحاجيات المواطنين والاجتهاد في السب والشتم  والتنابز بالألقاب بين أعضائها بدلا من لانكباب على الملفات الكبرى للقطاعات المشرفين عليها.

البلوكاج الحكومي ضيع على المغرب خمسة أشهر من الزمن السياسي، بسبب الفصل 47 من الدستور، الذي أعطى الحق للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية بترأس الحكومة وهذا مكسب يعزز المسار الديمقراطي، لم يكن من قبل حيث كانت الدساتير السابقة تخول للملك تعيين الوزير الأول دون التقيد بأي شرط وكانت المشاورات تمر في ظروف مقبولة وآجال معقولة .

وبفعل البلوكاج تعالت الأصوات من أجل تعديل الفصل 47 إما بتخويل الملك لتعيين رئيس الحكومة، كما كان الأمر في السابق أو تحديد أجل تكوين الحكومة في ثلاثين يوما مثلا، وإذا تعذر ذلك يتم اختيار شخصية رئيس الحكومة من الحزب الثاني وهكذا واستبعاد خيار تكوين حكومة أقلية لعجزها عن تمرير مشاريع القوانين  الحكومية  أو الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها لما تكلفه من وقت ومال .

إن تعديل الفصل 47 غير كاف لتغيير المشهد السياسي في المغرب، وإن كان ضروريا فينبغي أن يشمل التعديل عدة فصول تتعلق بصلاحيات الملك وجميع المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومؤسسات الحكامة في بلادنا، وفي انتظار إنضاج الظروف لذلك، يمكن عقلنة المشهد السياسي وربح الزمن السياسي وتوفير الاستقرار والنجاعة والفعالية  لحكوماتنا، بمراجعة نظام الاقتراع الذي تكون نتائجه مشتتة بين أكثر من عشرة أحزاب وذلك بطريقة إرادية لانتقاء ثلاثة أقطاب حزبية قوية (الأحزاب اليمينية اللبرالية والأحزاب اليسارية الحداثية والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية) باعتماد الانتخاب باللوائح الجهوية بدلا من اللوائح المقلصة من مرشحين أو ثلاثة ورفع العتبة إلى 10 في المائة من الأصوات المعبر عنها واعتماد القاسم الانتخابي لاحتساب الاصوات الناخبة الصحيحة، حتى تتمكن الأحزاب السياسية من الإعلان عن تحالفات أو تكتلات قبل الانتخابات ومن أجل هذا الهدف فليتنافس المتنافسون لأن المغرب في حاجة إلى أحزاب أو تحالفات  قوية لها مشاريع مجتمعية واضحة وقابلة للتحقيق مع ربط المسؤولية بالمحاسبة بدلا من مشهد سياسي مائع، 32 حزبا وسوق انتخابية بشعارات براقة وبرامج ممسوخة ومنسوخة ومستنسخة ووعود كاذبة وأساليب المكر والخداع وبيع وشراء لذمم، لا علاقة لها بالتنمية الاقتصادية وليست لها صلة بالديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *