ثغور دكالة – عبدة تحت الاستعمار البرتغالي خلال القرن 16م

ثغور دكالة – عبدة تحت الاستعمار البرتغالي خلال القرن 16م
شارك

علال بنور

حينما نتحدث عن المغرب التاريخي، فإننا نتحدث عن بنية شمولية تجمع بين الطبيعة والإنسان، إن موضوع المغرب والبحر لم يحظ باهتمام كبير من طرف الإخباريين والمؤرخين المغاربة، غير أن الذين تصدوا للبحث فيه وتقديم آراء واستنتاجات هم الأوروبيون، يؤكد المؤرخ أستاذنا الفقيد محمد زنيبران قلة المصادر لا تساعدنا على الوصول إلى دراسة التاريخ الكمي وكيف كانت علاقة المغاربة بالبحر؟

لقد ورث البرتغال عن حروب الاسترداد سلطة مركزية قوية، استطاعت توحيد بلادهم، كما ورثوا عنه عداء للإسلام وخوفا من غزو إسلامي جديد لأراضيهم، مما وفر لهم محركا ضروريا لدفع شعوبهم إلى المساهمة في الغزو والتوسع، ومعلوم أن غزو المغرب فسر كاستمرار لحروب الاسترداد التي دارت بالبرتغال وإسبانيا. أضف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والثورة السياسية التي أصابت البرتغال 1383م في الوقت الذي وصلت فيه البورجوازية البرتغالية إلى الحكم، كان الوضع الاجتماعي والاقتصادي يعاني أزمات، منها فقر البلاد وضعف النظام الجبائي وحاجة الدولة إلى مداخيل قارة، إذن بات الحل لأزمتها يكمن في البحث عن خيرات في أرض المغرب، فتعزز هذا الاهتمام لدى البرتغال عند احتلال المدن المينائية المغربية، فبدأ الغزو ابتداء من سنة 1415م حيث تم احتلال مدينة سبتة لكونها كانت أهم أسواق التبر بالمغرب.
في هذا السياق، يمكن أن نتساءل عن أهداف الغزو البرتغالي للمدن المينائية المغربية، هل كان الهدف هو الحصول على أراضي جديدة بخيراتها عن طريق الغزو العسكري أم الحصول على تجارة قارة. أم لحل أزمتها الاقتصادية والاجتماعية؟
لقد أعطى البرتغال لغزوهم للمغرب تبريرا دينيا، يتجلى ذلك في الطقوس الدينية التي كانت تسبق وترافق كل هجوم على المدن المغربية، ومشاركة رجالات الدين المكثفة فيها، وفي تحويل المساجد إلى كنائس، وإنشاء الأسقفيات. يتجلى هذا التبرير كذلك، في تزكية البابوية اللامشروطة لغزو المغرب، وفي المساعدات المالية والمعنوية التي خصت بها البرتغال، لقد جعلت غزو المغرب حكرا على البرتغال.
هكذا، مر الغزو البرتغالي لسواحل المغرب بمرحلتين مختلفتين من الناحية الزمنية والجغرافية:
المرحلة الشمالية، حيث تم فيها احتلال سبتة 1415م والقصر الصغير 1458م، وأصيلا وطنجة 1471م، كانت الغاية من غزو المدن الشمالية عملية استراتيجية، وذلك قصد حماية الملاحة البرتغالية من سقوطها في يد الأتراك خصوصا الجهاد البحري، غير أن البرتغال لم يستطيع احتلال كل الثغور الشمالية، فبقيت خارج سيطرتهم كل من مدينة تطوان والعرائش وسلا. لقد نتج عن احتلال الثغور الشمالية أفول نجم مدينة سبتة، التي كانت نافذة المغرب على البحر المتوسط، ومحج تجار أوروبا، في حين لم تعد أصيلا عاصمة البهارات والعقاقير كما كانت عليه من قبل.
ما هي الأسباب التي جعلت البرتغال تعجل باستعمار الثغور المغربية الشمالية ابتداء من القرن 15م، في حين أنها أجلت استعمار ثغر أزمور ولبريجة وآسفي إلى حدود بداية القرن 16م؟ مع العلم أن هذه الثغور الأخيرة قد تعامل معها البرتغال تجاريا قبل احتلالها.
المرحلة الثانية، حاول فيها الأمير  » هنري الملاح »، ربط علاقات تجارية مع ثغور دكالة وعبدة، في الوقت الذي عمل البرتغال على إبعاد المنافسة التجارية الاسبانية.
لكن ازدادت مكانة ثغر آسفي وأزمور عندما أصبحتا تعرفان رواجا تجاريا، حيث كانتا تستقبلان السلع وتصدر أخرى مغربية، كما أصبحتا تلعبان دورا أساسيا في مبادلات البرتغال التجارية مع شعوب إفريقيا عبر الساحل الأطلنتي.
إن البرتغال فشل في الحصول على عملاء أوفياء بهذه الموانئ التجارية المغربية، هذا حسب أحمد بوشارب. لكن هناك رأي آخر عند « جوزيف كولفن » في كتابه (آسفي: عهد الاحتلال البرتغالي)، يؤكد أن البرتغال لم يجد صعوبة في الحصول على عملاء من أعيان المدن الذين كانوا يتعاملون مع البرتغال تجاريا، قبل فكرة الاحتلال.
وهكذا، اضطر الملك البرتغالي أمام تزايد الفتن بالمدن الساحلية، بسبب عصيان قوادها وتناحرهم حول السلطة، إلى التدخل واحتلالها، مثلا احتلت أكادير سنة 1505م والصويرة 1506م وآسفي 1508م وأزمور 1513م والبريجة 1514م.
انطلاقا من هذه الثغور السالفة الذكر، خرج البرتغال في هجمات شرسة متتالية على المناطق الداخلية لهذه المدن، قصد إخضاع قبائلها ودفعها إلى أداء الضرائب، والإقبال على أسواق الثغور المحتلة لعرض منتوجاتها وشراء السلع البرتغالية. رافق الغزو العسكري لثغري دكالة وعبدة غزو تجاري ،كانت له نتائج سيئة على الاقتصاد والسكان، وهي سمة من سمات الفكر الامبريالي منذ بدايته، في المقابل استفادت الامبراطورية البرتغالية من الغزو التجاري لهذه الثغور ،التي تحولت إلى محطات تجارية تستقبل وتوزع السلع نحو ثغور سواحل إفريقيا الأطلسية ،كالذهب والعبيد والعاج وريش النعام والجلود ،في ذات الوقت تقتنى البرتغال السلع المغربية ، كالبلاغي والأنسجة الصوفية والحبوب والخيول والحمير والأواني والعسل، فللحصول على هذه السلع ،كان على البرتغال تخصيص نسبة مهمة من مبيعات التوابل والعقاقير بمركز (أنفير) بدولة فلندا ،لشراء أثواب ومواد مصنعة أوروبية ،قصد عرضها بأزمور وآسفي لتغطية أثمان شراء الحيا ك والحنابل .
نظرا لتزايد اهتمام البرتغال بالتجارة المينائية، ارتفعت الكميات المعروضة، مثلا: أصبحت آسفي تستقبل أطنانا من التوابل ما بين 1489-1519م بالإضافة إلى الصمغ وسلع أخرى، لذلك باتت هذه المدينة في مطلع القرن 16م قادرة على تسويق كل ما يشترى من مدينة كاليكوتا بالهند.
لكن ،ما يجب تسجيله ،أن التجار في كل من أزمور والجديدة وآسفي يمكن تصنيفهم إلى نوعين ،تجار الملك البرتغالي ،وتجار العائلات البرتغالية الغنية وتلك خاصية من خاصيات المرحلة المعروفة بالميركانتيلية والتي عرفها المغرب في بداية حكم الدولة العلوية ،وفي اتجاه آخر ،نجد أن البرتغاليين ،قد سخروا قوتهم العسكرية لإبعاد التجار الأوروبيين الآخرين كمنافسين لتجارتهم بالموانئ المغربية. وفي مستوى آخر من المنافسة ،نجد أن البرتغال أسس مراكز تجارية مثل مركز ARGUN » ارغين  » بالساحل الموريتاني ،لضرب تجارة القوافل المغربية مع السودان ،في تحويلها نحو الساحل الأطلسي بعيدا عن المدن المغربية ،لكي تمر مباشرة نحو المدن الساحلية البرتغالية ،الشيء الذي حرم المغرب من مداخيل ،خصوصا الذهب ،وبذلك يكون البرتغال قد شن حربا اقتصادية على المغرب ، وبالتالي انتزاع دور الوسيط التجاري المغربي، فأصبح البرتغال يتعامل مباشرة مع غرب إفريقيا.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *