صورة التبخيس السياسي في الخطابات الهجينة للأمناء العامين للأحزاب الوطنية
بقلم سعيد ألعنزي تاشفين
لا يمكن لكل متتبع لمجريات الفعل الانتخابي، حاليا إلا أن يصاب بالحيرة مما لحق السياسة من تبخيس. ورغم كل الملاحظات، التي واكبت مختلف الانتخابات طيلة عقود منذ استقلال المغرب، فالانتخابات، في العرف السياسي الدولي، تجل لا ستعاب المجتمع بشروط الديموقراطية. ولكن يبدو أن مسلسل التبخيس مغربيا يتواصل، بعد تبخيس الأسرة والإعلام والمدرسة والمسجد.. ، إلى تبخيس السياسة التي تفتقد الوقار تحت ضربات التعسف الحزبي الذي أكد على جملة من الانحرافات الخطيرة التي تخدش قدسية صناديق الاقتراع .
إن ما يلتزم الحملة الانتخابية من انزياحات كثيرة تتمثل أولا، في الافتقار إلى برامج مجتمعية واضحة هذا ناهيك عن عدم القدرة ثانيا، على إنتاج نخب سياسية متوافرة على » بروفايلات » قمينة باستيعاب دقة التحديات التي تتهدد الوطن. فالمترشح ضمن قوالب الاختيار الحزبي، مجرد انتهازي » سمسار » يتحين الفرص للانقضاض على » لهمزة » تحقيقا لمآرب شخصية ضيقة. ولهذا نصادف انقضاضا من لدن الأسر والعائلات على التزكيات على قاعدة تقسيم » لهمزة » بين العشيرة تحقيقا لمنطق » خيرنا ما يمشي لغيرنا « .
لقد تحقق العبث على كل المستويات لدرجة نجد أمناء عامين وشخصيات حزبية نافذة سبق أن ثم إعفاؤها بمقتضى تقارير رسمية يعودون لتدبير المرحلة دون أدنى خجل. إنه منطق تبخيسي مؤسس على الإصرار والترصد من أجل الإساءة الانتخابات .
وعليه نعتبر أن أدنى مقارنة ما بين المشهد الحزبي مغربيا وبفرنسا مثلا يفيد أن انحطاط اللعبة السياسية عندنا يعزى إلى هشاشة القرار الحزبي الذي عجز عن استيعاب مقولات التداول الديموقراطي النخب على لبنات التجويد لا التمييع .
و لا جرم من القول أن متابعة » برامج » الأحزاب يميط اللثام عن ضعف بنيوي كبير، يجعل الأمناء العامين مجرد شخوص يتقنون » الهضرة » بأساليب شعبوية، بئيسة تتقن دغدغة العواطف لاستمالة الكتلة الناخبة للتصويت. والحديث عن بالبرامج يظل مجرد كلام سوقي يحابي الجمهور ويستقطبه بخطابات سفسطائية تفتقر إلى الحد الأدنى من اللياقة الأيديولوجية. ونعتبر كلام كل الزعماء مجرد دردشة عمومية لا ترقى إلى نقاش عمومي رصين و مؤسس على لغة أيديولوجية تمتح من خلفيات مذهبية دقيقة، ضمن جودة المشاريع المجتمعية المتوافق عليها في إطار أرضية، ما جاد به مشروع لجنة بنموسى ضمن النموذج التنموي الجديد. وبناء عليه نعتقد أن خطابات الأحزاب تحقق درجة عالية جدا من البؤس الانتخابي الذي نجح في تبخيس السياسة وتسفيه الإرادة الشعبية وخدش قدسية الإرادتها . ويبدو أن كل هذا سينعكس على تمكين السواد الأعظم من الانتهازيين من مراكز القرار التمثيلي أفقيا على مستوى الجماعات الترابية والغرف، وعموديا على مستوى البرلمان بغرفتيه. ولا يمكن هنا أن نسوق التشاؤم مجانا خدمة لخلفيات عدمية ما، بل بالأحرى ننتصر إلى نقد موضوعي لمآل السياسة التي أضحت مهنة من لا مهنة له عبر مخرجات شعبوية، تقتسم كعكة التزكيات بمنطق » خيرنا يمشي لغيرنا « ؛ بما يحول المؤسسات الحزبية الى مجرد دكاكين انتخابية متخصصة في لعبة » سيدي قاسم » تحقيقا لمصالح الفاعل الحزبي الذي حول السياسة إلى سمسرة عمومية في سوق » عكاظ » الشعبوية على أشلاء الأيديولوجيا والسياسة والخط النظري والرؤية المذهبية والمسار النضالي .
ختاما لقد انتهى كل شيء في مفهوم السياسة وأصبحت الحزبية مجرد رديف للانتهازية الظرفية الجامحة، التي تسيء للوطن من خلال الإساءة للإرادة الشعبية. وهو ما يغتال مشروعية السياسة في محراب الشعبوية المفلسة .