أسباب العنف اللفظي تجاه النساء
محمد بن حفون، خبير نقابي
خلال قراءتي لبعض البيانات الصادرة عن بعض المؤسسات النقابية، أثارت انتباهي بعض الفقرات المتعلقة بالعنف اللفظي تجاه بعض النساء وإن كانت جد معزولة.
يبدو من خلال تردد (fréquence) هذا السلوك في بيانات بعض المنظمات النقابية، خلال السنوات الأخيرة أن العنف اللفظي ضد النساء، أو ما يصطلح عليه بالعنف القائم على النوع الاجتماعي قد أصبح يسائلنا جميعا، ويطرح علينا أسئلة جوهرية حول الأسباب الحقيقية، وراء هذه الظاهرة المعقدة. ولأسباب جد موضوعية ستكون وجهة نظري هذه مركزة بصفة عامة، على بعض الأسباب دون الإشارة إلى أية حالة من الحالات.
يبدو لي أن أحد الأسباب الأساسية التي تساهم في تفسير العنف الموجه تجاه النساء في كل المجتمعات مرتبط بالصور النمطية (Stéréotypes) وبالتمثلات الاجتماعية (Représentations sociales) وببعض التقاليد والأعراف الاجتماعية (Normes sociales) والتي تمثل في نظري، المنطلق الأساس لدى مرتكبي العنف اللفظي تجاه المرأة والفتاة سواء داخل الأسرة أو خارجها.(عندما قلت أحد الأسباب فذلك راجع إلى أنها متعددة. ولقد تطرقت إلى جزء من الحقيقة وليس للحقيقة كلها حتى أترك المجال للنقاش ولتبادل وجهات النظر حول هذه الظاهرة المعقدة.
لهذا، فإن مواجهة وتجاوز هذه الصور النمطية، وهذه التمثلات الاجتماعية لدى مرتكبي العنف اللفظي تجاه النساء لن يتحقق بدون نهج مقاربة النوع كأداة للاشتغال تعتبر النوع الاجتماعي كعلاقة اجتماعية تأخذ بعين الاعتبار، خلال عمليتي التشخيص والتحليل، من جهة الأدوار التي يحددها المجتمع للرجل والمرأة والفتاة والفتى داخل الأسر، والنابعة من التمثلات الاجتماعية والتقاليد، ومن جهة أخرى أهمية كل هذه الفئات اجتماعيا واقتصاديا من خلال مساهماتهم ومساهماتهن، جميعا في الأدوار الإنتاجية والتنظيمية والمجتمعية داخل الأسرة.
لهذا، فإن أي تأخر في أجرأة مقاربة النوع في السياسات العمومية، وداخل كل المؤسسات العمومية والشبه العمومية وداخل القطاع الخاص والجماعات الترابية، عبر برامج توعوية ومشاريع تنموية مبنية على النوع قد لا يخدم الحد من ظاهرة العنف اللفظي تجاه النساء.
أيضا، يمكن أن نقول أن أي تأخير في نهج سياسات عمومية مبنية على النوع الاجتماعي، قد يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي الوطني وبالتالي حرمان هذا الاقتصاد من تحقيق قيمة إضافية في الناتج الداخلي الخام (Produit Intérieur Brut (PIB)) ومن نسب إضافية عند احتساب نسبة النمو الاقتصادي .
أعتقد أن مواجهة العنف اللفظي تجاه النساء، يتطلب بذل المزيد من المجهودات من طرف كل المؤسسات النقابية، وهيئات المجتمع المدني، لإقناع المسؤولين بأهمية أجرأة مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية، وذلك بهدف محاربة الصور النمطية والتمثلات الاجتماعية وبعض الأعراف الاجتماعية، لنشر الوعي لدى الجميع بأن أدوار المرأة والرجل والفتاة والفتى هي كلها وبدون استثناء أدوار اجتماعية واقتصادية منتجة ولا يمكن بتاتا أن نصنف المرأة والفتاة في مراتب ثانوية.
إن التساؤل حول الصور النمطية، وحول التمثلات الاجتماعية داخل الأسر، وكذا التساؤل حول الأدوار التي يقوم بها الرجل و المرأة والفتاة والفتى، وكذا التساؤل حول مهام كل فاعل، وعن الولوج للموارد وعن من يتحكم فيها تعتبر كلها عناصر أساسية ومدخل أساسي لتغيير العقليات والسلوك تجاه المرأة والفتاة، كفاعل حقيقي داخل الأسر وبالتالي وضع حد للعنف اللفظي القائم على النوع الاجتماعي.
خلاصة القول، يمكن أن نعلن أن محاربة وتجاوز الصور النمطية والتمثلات الاجتماعية التي تمثل أحد أسباب العنف اللفظي تجاه النساء يتطلب بدرجة أساسية :
مزيدا من التعبئة، والاستنكار والتنديد والنقد الصارم.
انخراط الإعلام بكل مكوناته، في نشر الخبر لفضح العنف اللفظي القائم على النوع الاجتماعي (الخبر مقدس والتعليق موضوعي بعيدا عن الذاتية).
انخراط المثقف والسياسي والنقابي في تفعيل العدالة والمساواة بين النوعين انطلاقا من منظومة تربوية تستجيب لفلسفة مقاربة النوع الاجتماعي.
فتح ورش للعمل مع الموظفات والمستخدمات والعاملات تنخرط فيه كل مكونات المؤسسات النقابية وهيئات المجتمع المدني لمواجهة كل الصور النمطية والتمثلات الاجتماعية تجاه النساء.
إدماج مقاربة النوع في برامج التكوين، داخل المؤسسات النقابية، وكذا العمومية والقطاع الخاص يستفيد منها كل النقابيين (نساء ورجالا) وكل الموارد البشرية (نساء ورجالا) بهدف نشر ثقافة النوع الاجتماعي بالمؤسسات المركزية ( centrales)،وبمؤسسات اللامركزية (décentralisées) واللاتمركز (déconcentrées) وبالقطاع الخاص، وكذا إشراك النساء والفتيات داخل كل المجالات الريفية والحضرية، عبر نهج مقاربة تنموية مبنية على النوع الاجتماعي في كل العمليات التنموية المحلية بهدف الاستجابة لحاجيات الرجال والنساء ووضع حد للتمييز الاجتماعي والثقافي بين كل مكونات الأسرة وتحقيق المساواة بين النوعين.
في الأخير لا يمكن أن أختم وجهة نظري بدون الإشارة إلى المقولة الشهيرة للمفكر والشاعر والروائى الفرنسي Louis Aragon « المرأة هي مستقبل الرجل »
« La femme est l’avenir de l’homme »