الإصلاح الجبائي: السياق-المضامين-الخلاصات الجزء الأول
المنظار: سنعرض لقرائنا هذا البحث العلمي الجامعي لطالبة باحثة في سلك الدكتوراه، قانون جبائي، تتناول فيه الإصلاح الجبائي والسياق العام الذي يندرج فيه هذا الإصلاح والمضامين التي ترتبط به مع تقديم خلاصات جامعة للموضوع. ونظرا لطول المادة ارتأينا تقسيمها إلى جزئين أجزاء تنشر تباعا.
بقلم: سهام العلوي
مقدمة:
يقع موضوع الإصلاح الجبائي في صلب الإصلاحات الهامة التي يمكن أن تقوم بها الدولة، وذلك للارتباط الوطيد الذي يجمع هذا المجال بالمجتمع وتنميته، وكذا للدور الهام الذي يعتريه هذا الإصلاح في تمويل السياسات العمومية، والحفاظ على التوازنات المالية والماكرو-اقتصادية، باعتباره الرافعة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إذ غالبا ما كان هذا الموضوع يثير نقاشا واسعا بين مختلف مكونات المجتمع من جهة، وبين الباحثين والمتخصصين في المجال الجبائي من جهة أخرى، فدائما ما نجد موضوع الاصلاح الجبائي متصدرا في مختلف الخطابات سواء السياسية أو الحكومية أو الأكاديمية.
بالإضافة لفعاليات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات، والتي خلفت بدورها عدة توصيات داعية لخلق حلول ناجعة للقضاء والحد على مختلف الاختلالات التي تعتري المنظومة الجبائية الحالية، إلى جانب التقرير الصادر عن لجنة النموذج التنموي الجديد، والذي خصص بدوره حيزا هاما للإصلاح الجبائي، من أجل القيام بدوره الفعال في تمويل السياسة العمومية للدولة، وتعزيز التماسك الاجتماعي بين مختلف المواطنين.
وتفاعلا مع ما سبق، ارتأت الحكومة أن تفرج على مشروع القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، ليكون بذلك مرجعا أساسيا يؤطر السياسة الجبائية للدولة.
ويرجع أسباب خلق هذا الإصلاح الى عدة عوامل مرتبطة أساسا بمجموعة من الاختلالات والنواقص التي تعتري المنظومة الجبائية الحالية، وهذا ما يعبر عنه جليا من طرف الفاعلين في المجال الجبائي، والتي تتمثل في مختلف التوصيات والمخرجات المنبثقة عن مختلف المنابر الإعلامية أو السياسية أو الأكاديمية، المتمحورة حول النظام الجبائي، وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه من خلال هذه الورقة، بإبراز أهم المرجعيات الأساسية لإخراج هذا المشروع الإصلاحي الى حيز الوجود، بالإضافة إلى تقديم قراءة حول أهم مضامين هذا الإصلاح، مع تقديم بعض الخلاصات و النتائج في نهاية هذه الورقة.
1 –الإطار المرجعي للإصلاح الجبائي:
1.1 – الدستور والقوانين.
يعتبر مسلسل الإصلاح الجبائي، وليد لمجموعة من التطورات و المسارات التاريخية الطويلة، تظافرت فيها مجموعة من العوامل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، حيث عرف المغرب أول إصلاح جبائي عام و شامل سنة 1984 ضمن مجموعة من الإصلاحات الهيكلية التي همت مختلف المجالات المرتبطة بالمالية العامة، مرورا بإصلاح النظام الضريبي المحلي و ذلك عبر سن القانون رقم 30.89 المتعلق بالجبايات المحلية و هيأتها، إلا أن هذا الأخير وجد صعوبة في تطبيقه على أرض الواقع نظرا للتعقيد الذي كان يشوب مضمون نصوصه، مما كان لابد من تعويضه بقانون جبائي محلي معدل، و هذا ما جعل القانون 47.06 أن يخرج للوجود.
مرورا بالمحطة البارزة في تاريخ التشريع الضريبي، والتي تميزت بإصدار المدونة العامة للضرائب ، والتي وضعت حد لتشتت المقتضيات الجبائية في العديد من القوانين وعملت على تجميعها، حيث أن هذه الأخيرة تعرف تحيينا كل سنة وفق التوجهات الكبرى لقانون المالية السنوي.
وبعد المستجدات و التطورات التي شهدها النظام الضريبي على المستويين الوطني و الدولي، و التي كشفت عن وجود العديد من الاختلالات و النواقص التي تعتري هذه المنظومة، كان لا بد من إرساء إصلاح جبائي عام يتماشى مع هذه التطورات المستجدة، و هو ما جاء به قانون إطار رقم 19-69 المتعلق بالإصلاح الجبائي ، ليكون بذلك مكملا لكل النواقص السابقة.
وقد توج هذا المسلسل الإصلاحي باعتماد اللبنة الأساسية والمرجع الأصلي، القانون الأسمى في البلاد ألا وهو دستور المملكة، والذي نص صراحة على التزام الدولة بإرساء سياسة جبائية عادلة ومتوازنة ومنصفة ترقى للنهوض بالمنظومة الجبائية.
1.2 – الرسائل والخطب الملكية.
بالوقوف عند الفصل 52 من الدستور يتبين لنا أن الملك يخاطب الأمة والبرلمان عبر آلية الخطب والرسائل الملكية التي تعتبر من بين الطرق والوسائل التي تُعبر عن الإرادة الملكية وتترجم مواقفها وتوجهاتها . حيث تعتبر الخطب والرسائل الملكية مرجعية أساسية لأي إصلاح يراد تنزيله كيفما كان.
و بالرجوع للخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد ، و الذي دعا فيه لجنة النموذج التنموي بالتركيز الجدي و بشكل أولي على إصلاح القطاع الضريبي، والوقوف عند الاختلالات التي تشوب هذه المنظومة، وكذا تأكيد جلالته عبر الرسالة السامية التي وجهها أثناء المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية ، على التعاطي الجدي مع إشكالية الفوارق المجالية و الاجتماعية التي تطرحها إكراهات النظام الجبائي اليوم بالدعوة الى إصلاح هذا القطاع وفق ضوابط تنظيمية لتعزيز الدور الاستراتيجي للدولة كما جاء على لسان جلالته في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الواحدة و ستين لثورة الملك و الشعب ، و لا يُفوت سموه أية مناسبة ليعبر عن مدى الأهمية القصوى التي يعتريه هذا النظام باعتباره الرافعة الأساسية للتنمية و الازدهار الوطني.