الإشاعة ومخاطرها
بقلم : عبدالحق الفكاك
أكثر الناس هم مستعدون نفسانيا لتصديق الكذب طالما يوافق هواهم بشكل ما، فإذا ما حاولت اقناعهم وأظهرت لهم خطأهم، تعذروا بأنهم كانوا يمازحونك ويلعبون ..
والحقيقة أن الشائعات لعبة قديمة، قدم الحروب التي خاضها الانسان منذ عدة قرون خلت، لذلك لم يسلم منها مجتمعا ما .
وإذا كانت منصات التواصل الاجتماعي تعج بكثير من الأكاذيب بدءا من هوية مستخدميها وانتهاءً بالمحتوى، فإن الفيس بوك و الوات ساب تعد بمثابة تربة خصبة لتنشئة الإشاعات ونشرها بين الناس ..
ولأن الإشاعة في الأصل هي خبر كاذب يحتوي على معلومات مضللة، فإن ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي هو في الواقع معلومات تحتاج إلى تدقيق، وبالتالي يحتاج الأمر إلى المزيد من الوقت .
وهذا بالضبط ما لا يتوفر لكثير منا، وبدلا من ذلك ترى الناس قد شمروا على ساعدَي الجد وراحوا يبعثون بالرسائل الواحدة تلوى الأخرى بدون تردد ولا تمحيص حتى صرنا للأسف نعيش في زمن الإشاعة بامتياز .
وبما أن مستخدمي الفيس بوك عالميا قد تجاوز المليار والنصف مستخدم، بالرغم من أنه مازال يحتل المرتبة الثالثة بعد موقعي غوغل واليوتوب، ولأن اغلب مستعملي هده المنصات هم من المراهقين ومن عامة الشعب، فإننا حقا نواجه معضلة اجتماعية عظمى تتطلب منا تدخلا حازما لإنقاذ ما يكن إنقاذه.
ولعل رجال الاعلام أول من تقع عليهم مسؤولية مواجهة الشائعات والحد من انتشارها باعتبارهم أاس يعملون على نشر الأخبار وهم في بحث دائم عن الحقيقة .. حقيقة ما يجري خلف الكواليس والدهاليز المظلمة.
ومن العار أن يكون الصحافيون أنفسهم أداة لنشر القصص والمعلومات المليئة بالمغالطات و الأكاذيب دون التحقق من دقتها وصدقها .
وقد تجد العديد من المنابر قد سقطت في فخ الإشاعة وفقدت مصداقيتها لا لشيء سوى انها انساقت وراء سباق محموم لتبني خبر للأسف لا أساس له من الصحة .
فعلى رجال الاعلام ان يأخذوا الامر بكثير من الجدية، وليعلموا بأن الإشاعة هي إحدى أهم أدوات الحرب النفسية و التي تلحق ضررا كبيرا بالمجتمع ككل .
وليس في الأمر مبالغة إذا ما قلنا بأن الكثير من الدول المتقدمة قد أفردت لهذه ” الظاهرة ” اقساما ومصالح خاصة بها، أوكلت بها خبراء ومختصين لا شغل لهم سوى الاهتمام بكل ما يتعلق بالإشاعة دراسة و إنتاجا .
نعم، فإنتاج الشائعات فن من فنون عالم الجاسوسية وعادة ما تستخدم كطعم لمعرفة ردود الفعل لدى الافراد و الجماعات، بل هي وسيلة فعالة لافتعال الفتن واثارة الشك والأزمات وكسب المعارك والحروب، لذلك نجد أن الألمان كانوا من السابقين إلى إحداث وزارة (البروباجاندا)، أو الدعاية .
و لأن حروب اليوم ليست حروب دبابات ولا مدافع.. بل هي حروب نفسية و ثقافية، يراد منها التأثير على ضعاف العقول لتغيير الثقافات بهدف السيطرة على الشعوب و الثروات .
وإذا كان من أخبث غايات الاشاعة إضعاف إيمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية، فإن التصدي لهذا العدو المتخفي ذي الأسلحة غير التقليدية يعتبر بمثابة فريضة عين ينبغي على كل صحافي أن ينهض بها لاسيما عندما يهم بنشر خبر ما .
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو ماذا فعلت منشآتنا الإعلامية لحماية الفئات الشابة والشعبية على السواء من خطر انتشار الشائعات؟ و هل استشعر كل منا المخاوف الأخلاقية من تكرار نشر معلومات خاطئة ؟
علينا ان نعلم بأن الصحافة الصفراء والمواقع الإخبارية عديمة الاخلاق، بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي قد ساهمت في ترويج الشائعات ، لدلك ينبغي التصدي لها .
كما ينبغي إشاعة جو من الثقة بين الناس والمسؤولين من جهة وبين المؤسسات العمومية والخاصة من جهة اخرى، وأن يعمل الجميع على محاربة سيادة الغموض والتعتيم الإعلامي في المجتمع واحتكار المعلومة .
لأن عدم إشباع حاجات الناس في معرفة حقيقة ما يجري من حولهم يزيد من فرص انتعاش الشائعات ورواجها.