المطرح العمومي بالشماعية وتداعيته الأيكولوجية
كانت رحلتي الاستطلاعية إلى مطرح عمومية قرب الثانوية التأهيلية القدس بالشماعية، رحلة تقودني إلى المجهول لأنني لم أقم في يوم ما بمثل هذه الرحلة.
في البداية كانت تخامرني عدة تساؤلات حول ماذا أجد؟ رغم أن أفكاراً مبدئية كنت أحملها معي و أنا في طريقي إليها؛ تمثلات وتصورات ترسبت في أعماقي من خلال نقاشات و سكوتي عن أشياء أجدها أو لا أجدها.
تهيأت نفسياً لاقتحام هذا المكان و قررت بكل حماس أن أعريه و أستطلع أشياء و عناصره و انعكاساته على البيئة و المنازل المجاورة لها خاصة، و أنني أعرف أن بعض أشياءنا التي تخلينا عنها قد يصل إلى هذا المكان الذي نسميه مزبلة عمومية أو المطرح البلدي.
وأنا في طريقي إليه بات المجهول معلوماً من خلال نفايات و أشياءنا التي ألقينا بها ملفوفة في أكياس بلاستيكية أو ورقية أو كانت مرمية خلسة هكذا في الشارع العام، كنت أدافع و أسابق أفكاري و تساؤلات و في كل لحظة أزداد حماساً و تحفزاً لاكتشاف ذاتي و أشيائي.
الرائحة الكريهة التي أزكمت أنفاسي أوحت لي بأنني فعلا على مشارف المزبلة، كما أن الأكياس البلاستيكية التي علقت على بعض الأعشاب و السدرة الفارة طولا كانت دليلاً قوياَ على أنني بدأت ولوج عالم غريب عني، نشارك في صنعه بشكل مباشر أو غير مباشر و أخيراً أعلن الدخان المصاعد من أمكنة متعددة أنني وصلت إلى المزبلة.
تقع هذه المزبلة بمكان منبسط وراء مؤسسة تعليمية و كذلك بمحاذاة المقبرة للحاجة كما يسمونها و في الضفة المقابلة لها دور سكنية، تجولت ببصري في بعض أطراف المزبلة و التقطت مجموعة من الصور و تجرأت على اقتحام بعض مدخلها، غير أن الرائحة النتنة و الدخان المصاعد كان يحول دون المغامرة أكثر، حاولت أن أحدد طولها و عرضها فوجدت بصري يمتد نحو الأفق، لم أكن أتصور أننا ننتج هذا الكم من النفايات.
صادف تواجدي هناك وصول جرار و عربة محملة بالنفايات ف جدتها فرصة سانحة لطرح بعض تساؤلات الأولية، دنوت من السائق و عرفت منه أن الجرار مملوك لإحدى الجمعيات المدنية العاملة داخل أحد الدواير المتاخمة للمطرح البلدي. وفي حديث مطول وشيق مع السائق أطل علينا أحد شباب الساكنة القريبة من المزبلة و طفق يحدثني عن أشياء كثيرة.. عن الأطفال الذين يجمعون النفايات.. عن الأغنام و الأبقار التي ترعى في المزبلة.. عن الأحياء المتضررة من الدخان المتصاعد و الرائحة الكريهة، عن مخلفات المجرة العمومية الموجودة في سوق الخميس، عن مخلفات المطامير لبعض المنازل التي تجلب على متن صهاريج مجرورة و يتم تفريغها في المزبلة… أشياء كثيرة كان على أن أتحقق منها، لهذا كان على أن أعود أدراجي بعد أن اغتصبت الرائحة أنفي و نال الألم من عيوني ورأسي.
كانت وجهتي هذه المرة نحو مقر البلدية لعلي أظفر بمعلومات عن المزبلة العمومية، عند وصولي سألت عن الرئيس لكن مكتبه كان مقفلاً، فغيرت وجهتي نحو مكتب حفظ الصحة هو الآخر لا أثر له، كل ما في بلدية الشماعية يوحي بعطلة مسترسلة إلا لبعض الموظفين الذين يربطون داخل مكاتبهم هي أشبه بس داب من فرط الإهمال والازدحام و كثرة المرتفقين الوافين أمام الباب في طابور طويل.
من هنا تأكد لي بأن ساكنة الشماعية و الدواير المتاخمة لها هي التي تتحمل تبعات ما تنتجه من أزبال لم أشأ أن تبقى أسئلتي معلقة، فاتجهت إلى الحي السكني القريب من المزبلة، ووجدت أن الساكنة فيها كانت قد رفعت عدة شكايات في الموضوع إلى السلطات المحلية من أجل التصدي لهذه الكارثة البيئية و قد تنظموا في إطار جمعيات مدنية و خاضوا عدة أشكال نضالية أمام مقر البلدية مطالبين برفع الخطر الذي يهددهم، كما اكتشفت أنهم قاموا بعدة مراسلات للجهات المختصة سواء على الصعيد الإقليمي أو الجهوي محذرين من المخاطر البيئية التي تمثيلها، فتقاطرت عليهم أسئلتي و أرعبتني الحقيقة الغيبة، لأن المزبلة تحوي الكثير من المواد الخطيرة على صحة الساكنة المجاورة لها.
إن هذه المخاوف وحدها كفيلة بأن تضعنا أمام الوضع الخطير الذي تمثله المزبلة العمومية بما تحمله من مواد غير متجانس و خطيرة تؤكد فعلا أنها قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر على كارثة بيئية يتحمل تبعتها المسؤولون عن الشأن المحلي.
ومن المعلوم و حسب معاينتي للمطرح البلدي فإن نسبة كبيرة من الأطفال اتخذوا منها مكاناً للعبهم و منهم من أخذها م رداً للعيش.
إن طبيعة المزبلة العمومية بالشماعية و محتوياته جعلت منها كارثة بيئية ذات انعكاساته خطيرة على المحيط البيئي، فبفعل الحرارة المفرطة صيفاً و الرطوبة العالية أضحت سريعة الإختمار مما يحولها إلى بركان يغلي من الداخل و ينتج عن ذلك روائح كريهة عند مداها إلى شعاع يصل أحياناً إلى كيلومترات من الأمتار و بالتالي فنفسية المتضررين تكون في ارتفاع مستمر خاصة بعد التوسع العمراني التي عرفته الجماعة.
وأنا أتجول في الأحياء السكنية المجاورة للمزبلة أخذت ارتسامات بعض السكان و مدى وعيهم بالخطر المحدق بهم، ومن خلال حديثي مع أحد رؤساء الجمعيات المهتم بالمجال البيئي(ن، ال) لاحظت قلق السكان و تخوفهم من الانعكاسات الصحية كانتشار أمراض الجلد و العيون بسبب انتشار الدخان الناتج عن احتراق النفايات، إضافة إلى كثرة البعوض والحشرات وغزو الروائح الكريهة التي تجبر السكان على غلق نوافذهم شتاءً و صيفاً.
كما أتبتث عدة التقارير أن عدداً من رؤوس الأغنام هلكت بسبب أكلها لمواد سامة، و تجدر الإشارة أن الغالبية العظمى من ساكنة مدينة الشماعية تعيش على رعي الأغنام و مرتبطة بالمجال الريفي و على أن المزبلة هو المكان الوحيد لرعي الأغنام، وقرب المزبلة يتراءى لك السوق الأسبوعي لبيع الخضر والفواكه واللحوم التي سيكون مصدرها لا محالة الأغنام التي ترعى على النفايات، وعلينا أن نتصور هول الكارثة إذا أصيب السكان بأمراض أخرى و تسممات ناتجة عن استمرار تواجد المزبلة قرب الأحياء السكنية إلى حين إيجاد بديل للمطرح العمومي تبقى المزبلة جاثمة على أعناق ساكنة مدينة الشماعية تفرض عليهم قانونا و ترغمهم على إغلاق نوافذهم و تنال من هوائهم و أجسادهم وأطفالهم.