كريستينا.

كريستينا.
شارك

قصة قصيرة.

عبد الرحيم كوديال/قاص مغربي

 

وسط هزيم الدبابات انسلت الرسالة الوردية من جيب الجندي الذي كان مستغرقا في البحث عن مخازن المؤونة و استنطاق نساء القرية. طامو كانت إحداهن؛ ووحيدتهن التي عرفت كيف تعمِّي على الجنود مستودع القمح والشعير… والوحيدة التي كانت ملحاحة في الصراخ في وجه الكتيبة؛ حتى أنها تجرأت على لطم أحدهم دون أن تتلقى منه أية ردة فعل. وحدها طامو من وجدت الرسالة وقد تبَّنها الرفس تحت أقدام الجنود… إنها كانت رسالة من كريستينا خطيبة ذاك الجندي من « تور ».

طامو.

كانت أيقونة القرية؛ لأمانتها تتجمع في حجرها كل خريف أمانات جاراتها :نقود وقطع ذهبية وجواهر… ومع كل علة تخشى معها الموت تسلم الأمانات إلى أهلها في مشهد مهيب تشهد فيه تأبينها العظيم وهي على قيد الحياة؛ فتمتلئ فخرا ويغشاها الرضا عن نفسها الأبية التي طبعت على القلوب بصمة الثقة الصادقة، وجمعت حولها كل هذه النفوس…

كان أهالي القرية يحترمون طامو ويسمونها بنك الدوار، وكانت تحضر مع الرجال اجتماعات الحل والعقد لحسن مشورتها ورزانة حلمها.

الرسالة.

بعد مرور ثلاثين سنة استطاعت إقراء الرسالة وتعرف ما تحتويه البضعة أسطر المخطوطة بخط رفيع باذخ! كان ذلك في ليلة مقمرة من ليالي الصيف الدافئة؛ خلف الدار ناولت ابنها المهدي، الأستاذ الذي صار خبيرا بلغة الفرنسيين، الرسالة التي بدت كتحفة عتيقة؛ واتكأت على الجدار تنصت.

توسم المهدي الرسالة صامتا فابتسم ابتسامة إعجاب وطفق يقرأ السطور بصوته العذب الشجي :

عزيزي كلود :

الموت وحده من يستطيع التفريق بيننا، لقد غصت فيك حتى انمحيت؛ ولن أعود منك إلي حتى تتحلل عظامي رفاتا على رصيف انتظارك، أنت الشعاع الذي يدفئ كينونتي والبدر الذي يضيئ عتماتي… سأنتظر إطلالتك التي توقظني من غفوة الشرود فيك!

                                                     كريستينا التي تحبك.

بعد إنهائها أخذت بيده وشدت عليها بقوة وقالت : « بني أتدري ماذا فعلت هذه الكلمات فيمن بعثت إليه؟ لقد ملأته حبا حتى طفح؛ وغمرته بأشواط من فرح… لقد تجرأت على لطمه وما كان منه إلا أن مسحها بكفه وأعرض عني وسمح… وهو نفسه من اكتشف مستودع القمح، فمر به كأن لم يره…

أرأيت فعل الحب في الكون؟! أرأيت مالكة الحب كيف تكون؟! إنها تحيي ولا تقتل، إنها تنير ولا تُظلم…

سيكون العالم بخير بني فقط حينما تحكم المرأة مالكة الحب، فإن قسوة الذكور لم تحمل للعالم إلا الدمار!

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *