قانون الحق في الحصول على المعلومة ودوره في ترسيخ قيم الديمقراطية التشاركية
عرف مسار الحق في المعلومة تطورا ارتبط بتطور الأنظمة الديمقراطية، مما يجسد اختلاف سياقات نشأنه وتعدد دلالاته، كما ارتبط بتعزيز أسس الديمقراطية التشاركية، ويعتبر من الحقوق الحديثة للأفراد، للوصول والحصول الآمن على المعلومات التي تحتفظ بها الإدارات العمومية بمختلف درجاتها، وواجبها في توفير المعلومات للمواطن، مقابل توفر الشروط القانونية للحصول على المعلومة وضرورة معرفة أوجه استعمالها. فالحق في المعلومة لا يعتبر حقا مطلقا وطبيعيا مرتبط بمنظومة الحقوق والحريات الأساسية للأفراد، ولكنه حق مكتسب ومعزز لشفافية العمل الإداري، ويعد ضمانة لتخليق الإدارة العمومية ومواجهة الفساد الإداري.
كما يعتبر الحق في الحصول على المعلومات أحد ركائز البناء الديمقراطي، إذ يُساهم في تعزيز التنمية القائمة على المشاركة، التي تسمح للمواطن بالمشاركة في تدبير الشأن العام. كما يُعبّر عن النضج الذي وصل إليه المجتمع ومدى احترامه للفرد. وفي هذا السياق، أكّد الفصل 27 من دستور 2011، على أنّ للمواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلّفة بمهام المرفق العام، ولا يُمكن تقييده إلا بمقتضى القانون. كما حدّد القانون رقم 31.13، مجال تطبيقه، وكذا شروط وكيفيات ممارسته، والضمانات التي تُحيط به.
اذن ما هو الاطار الدولي والوطني للحق في الحصول على المعلومات؟ وما هو دور هذا القانون في ترسيخ قيم الديمقراطية التشاركية ؟
للإجابة عن هذه الاشكالات سنعتمد التصميم التالي:
المحور الأول: الاعتراف بحق الإنسان في المعلومة:
المحور الثاني: دور قانون الحق في الحصول على المعلومات في تعزيز قيم الديمقراطية التشاركية :
- المحور الأول: الاعتراف بحق الإنسان في الحصول على المعلومة:
الإطار الدولي للاعتراف بحق الإنسان في الحصول على المعلومة
يعتبر الحصول على المعلومات وتداولها حقا أساسيا من حقوق الإنسان، إذ أن أغلب المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان نصت على هذا الحق واعتبرته من ركائز الضامنة لمفهوم الشفافية والمواطنة الحقة وذلك نظرا لأهمية توفر المعلومات بالنسبة لأفراد المجتمع من أجل المشاركة في الحياة العامة.
وقد ظهر الحق في الحصول على المعلومات على المستوى الدولي في عام 1946 عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 59 الذي نص على: « أن حرية الوصول إلى المعلومات حق أساسي للإنسان وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة.
كما أدرج الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من دجنبر 1948، حرية المعلومات في المادة 19 كجزء من حرية التعبير التي تضم « الحق في البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها ». وتضمن هذه المادة الملزمة الحق في حرية التعبير والمعلومات بالصيغة التالية: »لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية ».
كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد نصت في المادة 10: « تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ومع مراعاة ضرورة مكافحة الفساد، ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية، بما في ذلك… اعتماد إجراءات أو لوائح تمكن عامة الناس من الحصول على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها، وعن القرارات والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس، مع إيلاء المراعاة الواجبة لصون حرمتهم وبياناتهم الشخصية ».
فيما نصت عليه المادة 19 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية: « لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود ».
كما تم اعتماد « إعلان الحق في الوصول إلى المعلومات » في اختتام المؤتمر الذي نظمتها ليونسكو وكلية الصحافة في جامعة كوينزلاند (بريسبان، أستراليا) بتاريخ 2 و3ماي 2010 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
يشير الإعلان إلى أن ضمان الحق في المعلومات أمر حاسم لاتخاذ قرارات مستنيرة، للمشاركة في الحياة الديمقراطية، لرصد الإجراءات العامة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، ويمثل أداة قوية لمكافحة الفساد، وأن الحق في الإعلام له دور فعال تعزيز ثقة المجتمع المدني، وتعزيز المساواة بين جميع الفئات في المجتمع، بما في ذلك النساء والشعوب الأصلية.
التشريع الوطني للاعتراف بحق الانسان في الحصول على المعلومات:
أما في التشريع المغربي فالفصل 27 من الدستور لسنة 2011 قد نص على أن “للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، ولا يمكن تقييده إلا بمقتضى القانون، “بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”؛ وهو ما نظمه القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2019، ودخلت جميع مقتضياته حيز التنفيذ سنة 2020.
المحور الثاني : دور قانون الحق في الحصول على المعلومات في تعزيز قيم الديمقراطية التشاركية
أتاحت الدينامية التي يعرفها المغرب في الوقت الراهن توسعا متواصلا لفضاءات المشاركة السياسية لهيئات المجتمع المدني، وذلك بتوافق مع الرهانات الإستراتيجية للدولة، واستكمالا للبناء الديمقراطي للمجتمع المغربي. فإذا كانت مؤسسات المجتمع المدني عموما، تشكل إحدى الحلقات الرئيسية والفعالة التي لا محيد عنها لإحداث التغيير في المجتمع، فإن مشاركتها في صنع وتنفيذ القرار يساهم في ترسيخ دورها بشكل فعلي في عملية التحول الديمقراطي.
فالمجتمع المدني اليوم، أصبح إلى جانب الدولة فاعلا أساسيا في تدبير الشأن العام بمختلف أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث لم يعد يقتصر دوره على الطابع الاستشاري، أي مجرد تقديم المطالب والتعبير عن ردود الأفعال، بل أصبح مؤسسة ضمن المؤسسات التي تضطلع بدور تقريري عبر تقديم اقتراحات مكتوبة وعرائض وتظلمات.
وفي هذا السياق تؤكد الوثيقة الدستورية على أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
فالنص الدستوري هنا يضع الأسس التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة حيث جعل من بين مقوماتها الديمقراطية التشاركية، والتنصيص هنا على التشاركية يتيح استعمال كل الآليات التي تمكن من إشراك المواطنين والمواطنات أفراد وجماعات في تدبير الشأن العام وتتبعه وتقييمه. ووعيا منه بأهمية منظمات المجتمع المدني وإشراك المواطنين في تدبير الشأن العام وتقييم السياسات العمومية، وجعل منظمات المجتمع المدني شريكا فعليا في عملية التنمية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية. فقد نص المشرع الدستوري في فصول متفرقة على إشراك المواطنين والمواطنات ومنظمات المجتمع المدني في تدبير الشأن العام من خلال:
ــ دسترة وظيفة المجتمع المدني كمساهم في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية؛
- إحداث السلطات العمومية لهيئات التشاور، قصد إشراك الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها
- إقرار المساهمة الممكنة في تقديم المقترحات في مجال التشريع
- دسترة تقنية عرائض المواطنين الموجهة للسلطات العمومية
- إقرار آليات لمساهمة المواطنين في تدبير الشأن العام المحلي عبر التشاور والحوار والمقاربة التشاركية والعرائض الموجهة للجماعات المحلية.
إذن فالمشرع الدستوري من خلال هذه الفصول مجتمعة، جعل من المجتمع المدني شريكا فعليا وطنيا وجهويا على مجموعة من المستويات، سواء فيما يتعلق بالتشريع أو له علاقة بتدبير الشأن العام من مساهمة في إعداد السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها.
وقبل الدستور المغربي لسنة 2011، فقد نص الميثاق الجماعي الصادر سنة 2002 كما تم تعديله بالقانون رقم 17.08 سنة 2009 على مجموعة من المقتضيات تقضي بإشراك المجتمع المدني في عملية التنمية المحلية، ونص في مواده على إشراك المجتمع المدني في إعداد مخططات التنمية الجماعية، والتشاور معه وإشراكه في تدبير الشأن المحلي.
غير أن الإشكال يكمن في أنه لم يتضمن من بين بنوده ما يضمن للمجتمع المدني الحصول على المعلومات قصد تحقيق مساهمة فاعلة في هذا المجال، وبالتالي فإن ذلك حال دون إنجاح هذه التجربة التشاركية، ذلك أنه لا تنمية بون ديمقراطية تشاركية ولا ديمقراطية تشاركية دون الحق في الحصول على المعلومة. ففتح كل هذه الأبواب أمام المجتمع المدني وتمكينه من كل هذه الآليات، وجب بالضرورة إقرانه بفتح المجال لتدفق المعلومات، وتجنب الارتجالية والإلتقاطة، فمن غير الممكن توفير مدخلات مفيدة لأي سياسة دون الوصول إلى السياسة في حد ذاتها، بالإضافة إلى مسبباتها التي اقترحت من أجلها.
وهنا نطرح السؤال حول أهمية الحق في الحصول على المعلومات بالنسبة للديمقراطية التشاركية؟
الإجابة عن هذا السؤال تقودنا لطرح سؤال آخر حول آليات إعمال الديمقراطية التشاركية كما نص عليها الدستور المغربي. فكيف يمكن التقدم بملتمسات أو عرائض وكذا تتبع ومراقبة العمل الحكومي والتشريعي من قبل المواطنين دون النفاذ إلى قلب هذه المؤسسات؟ خصوصا إذا علمنا أن بعض القطاعات الحكومية وكذا المؤسسة البرلمانية تفرض إجراءات جد معقدة قصد الولوج إليها، وما بالك طلب المعلومات منها. زد على ذلك وجود بعض المقتضيات القانونية التي تقيد حق تصريف المعلومات والتبليغ عن الفساد في بعض الإدارات، كما هو الشأن بالنسبة للمادة 18 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يجعل كل موظف ملزما بكتمان السر المهني. وبالتالي فإن مبدأ الديمقراطية التشاركية الذي أصبح من مرتكزات النظام الدستوري المغربي لا يستقيم دون حق آخر، وهو الحق في الحصول على المعلومة، فهما وجهان لعملة واحدة لن يتحقق أحدهما دون الآخر.
ولأجل هذا نجد أن المشرع الدستوري المغربي كان أكثر ذكاء ووعيا بأهمية هذا المبدأ لمساهمته في إشاعة قواعد الانفتاح والشفافية وتعزيز الثقة في علاقة الإدارة بالمتعاملين معها وترسيخ الديمقراطية التشاركية، وإرساء إجراءات كفيلة بتخليق الممارسة الإدارية وضمان المصداقية والمساهمة في تدبير الشأن العام. حيث أكد في الفصل 27 من الدستور على حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. ليكون بذلك قد وضع أولى اللبنات لنجاح الديمقراطية التشاركية، لأنه لا يكفي وضع قانون من أجل الحصول على المعلومات وحده لتكريس هذا الحق، بل إن الأمر يتعداه إلى ضرورة وضع مجموعة من الآليات الأخرى لضمان سهولة الولوج إلى المعلومات باعتبارها مدخلا لتكريس الديمقراطية التشاركية. فالتنزيل السليم للفصل 27 الذي من الدستور يقتضي بالضرورة القيام بإصلاحات جوهرية على مستوى مجموعة من القوانين الأخرى، من أجل فتح الباب أمام منظمات المجتمع المدني قصد النفاذ إلى هذه المعلومات (مع مراعاة الاستثناءات التي يتضمنها القانون).
خاتمة
انطلاقا مما تمت الاشارة إليه يتضح لنا أهمية الحق في الحصول على المعلومة باعتباره حقا أساسيا من حقوق الإنسان، وأهميته تكمن في تعزيز مبادئ الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية التي أصبحت من مرتكزات النظام الدستوري المغربي حسب الفصل الثاني من الدستور .
المراجع المعتمدة :
ــ دستور المملكة المغربية لسنة 2011
ــ القانون 31.13
ــ الحق في الحصول على المعلومات والمجتمع المدني أية علاقة ؟ ــ عبد العزيز دحماني ــ
ــ الحق في الحصول على المعلومة بين الاطلاق والضبط القانوني على ضوء القانون رقم 31.13 ــ رياض فخري ــ
ــ الحق في الحصول على المعلومة بين الإطار المرجعي والتأصيل القانوني ــ يوسف بلشهب ــ