أقْنِعةٌ ومطر.
الشاعرة نرجس ريشة/المغرب
عزيزي المطر :
ما عادَ في قريتي مكانٌ للموت. دفنّا اليوم آخرَ الحفّارين وأعلنّا الحِداد من الظهيرة إلى الظهيرة. فتحنا أذرعنا للمُواسينَ ولم يأتوا !
لا بدّ أن شيئًا فيهم قاد ماتَ أيضا، ربما ماتوا جميعا، وربما أحرقت الشمسُ الزّاجل الذي حملَ نَعْيَنا. أيكون غيّر الطريق إلى وكرٍ جديد؟
لا بدّ أن سهما أصابه، فالزّاجل لا يخون، و الشمس لا تحرق الأبرياء.
لم يَبْقَ في البلدة سِواي ، وقِطَطي السِّيامية ، وقلمي الأسود و دفتري ، وعشرات العوائل ، وكِتاب أهداني إياه أبي قبل الموت … لم يبقَ في البلدة سِواي.
لمْ يبْقَ في قريتي إلا بعض من لمْ أعُدْ أعرفهم ، و بعض تُجّار البنادق يبيعوننا الرّياء مُعلّبًا ومختوما بتاريخٍ مُنتهي الصّلاحية .
لم يبْقَ إلا بعض المُهرّجين بأقنعةٍ مُتفاوتةِ » الصّدق » يُراقبون الأفق تَحسُّبًا لِهُطولك المُفاجئ ، مَزاريبُهم مُثخنة بالصّبائغ ، تنوءُ صدورهم بالوصايا ، فامْنحْهُم عامًا آخر للْخَلاص وامنحني لُحَيْظةً للشفاء.
عزيزي المطر :
سأبكي اليوم كما يليق ببكاء طفلة تجاوزتِ الأربعين : دمعتان وكثيرٌ من الحبر على كتِف الدفاتر ، و الكثير الكثير من الصمت ، فالضجيج في داخلي أكبر من كل المقامات .
سأُغنّي… سأغني حتى يستقيم اللّحن، ثمّ سأرقص وحدي ، كما علّمتني الحياة على صفيحها السّاخن .
ألْتَهِمُ آخر قطعةِ حلوى صنعها خبّاز القرية قبل الموت ، أُنقّطُ عطري وأنام دون أن أنتظر أن يأتي الصّباح.
سأكتُبُ كُلّما جنَّ الموت في قريتي النّائية .
سأزرع الأوركيدَ من حولي وننتظر معا رسائل السّماء.
سأُصدّق كل شيءٍ إلاّ أن يُقالَ لي أنها لن تُمطر بعد اليوم وألاّ حياةَ بعد الموت، فَفِي بعض الرّحيل بدايات وفي بعض مراسم الدّفن خلاص.
وختاما ،
إذا أردت أن تزور قريتي، افعل ذلك ليلاً كي لا ترى القُبح على جماجم الأموات. ستعرفُ الطريق إلى بيتي، فكُلُّ البساتين دونه انطفأت… ولم يبْقَ في البلدة سوايْ.