الحرب الجرثومية لحزب التقدم والاشتراكية بسطات

الحرب الجرثومية  لحزب التقدم والاشتراكية بسطات
شارك

فؤاد الجعيدي

الآن القانون يأخذ مجراه في أحداث واقعة الدورة الأخيرة للمجلس البلدي بسطات. والتي لن يكون سوى للعدالة كلمة الفصل فيها.

لكن ما يستوقفني في هذا المقام، هو هذا الانزلاق عن النقاش الهادئ في الدفاع عن الأفكار واللجوء مع ظهور التباين إلى توظيف العنف ضد الغير.

إنه الإرث الذي كان يؤسس له، في مراحل سابقة من طرف أحد قياديي حزب التقدم والاشتراكية بسطات، والذي اختار زرع الفتنة بين الرفاق بالتآمر العلني والسري، والأوصاف المعلبة من قاموس قبيح الكلام وهجين الصفات، في حق رفاق تربوا وترقوا في هياكل الحزب فاصطدموا بمن اتخذهم واستخدمهم للمنافع الخاصة والأجندات البئيسة.

اكتملت اليوم الصورة، وصار من الممكن اليوم، استخراج الخلاصات المفيدة مما حدث في تاريخ حزب التقدم والاشتراكية بسطات،  ومن أين أتاه الانهيار المفاجئ؟.

كان للفرع الإقليمي بسطات، شأن سياسي عظيم، وكان مؤثرا في الأحداث الإقليمية، وكان يسعى لضم نخب سياسية من الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين، وفي ذات الوقت ملتزم بالدفاع عن قضايا الناس البسطاء من الباعة المتجولين، والذين ضمن لهم الاستقرار في أول سوق بالمدينة، بحي مبروكة بسطات، وترافع بقوة عن ساكنة حي مانيا لما ظهر في الأفق من يطالب بالحق في أصل ملكية العقار، وضمن عبر مسار المفاوضات الطويلة، وجر لها حلفاء من السلطات المنتخبة، لضمان حقوق الساكنة، وتوج مسار القضية بالانتصار للساكنة وبالأخص النساء الأرامل واليتامى.

وعلى المستوى الإعلامي، سجل الحزب حضوره في كل النقاشات العمومية، وإثارة القضايا الحقيقية للساكنة، سواء تعلق الأمر بساكنة المدينة أو محيطها الريفي، وخص الإنسان والمجال بصفحة أسبوعية وكان له الفضل في أن يتبوأ مكانته كقوة اقتراحية مسؤولة ومتبصرة بلا منازع.

في أوج هذا العطاء ظهر شخص، استفاد من تفرغ نقابي بدون وجه حق في اللجان العمالية المغربية، وبات متفرغا لأثارة العداوات بين الرفاق، ويفتح الحزب على الأعيان من اليمين وبالأخص من الاتحاد الدستوري والحركة الاجتماعية..

ثم تموضع داخل التنظيم، مع حمى الانتخابات لترتيب المكانة التي تعزز موقعه في التفاوض السري حصولا على منصب كاتب المجلس..

ولن ننسى كيف هيج طلبة التقدم والاشتراكية بجامعة الحسن الأول بسطات، للخروج من الحرم الجامعي والقيام بتظاهرة في الشارع العام، انتهت باعتقال رفيقين ذاق أحدهما عذابا أليما وتكسرت سنته ليتخلص منه في   كما شنها على المعتقل الثاني مراحل لاحقة وليشن عليه حربا هوجاء بين الشباب.

وشن على الكاتب الأول خلال، تنظيم ندوة الأمن الغذائي بالمغرب، والتي استغل مناسبتها، للاستحواذ على الكلمة الافتتاحية، علما أنه لم يكن سوى عضو بالمكتب الإقليمي، وليس كاتبا أولا ولم يكن معني لا من قريب ولا من بعيد بمضامين ندوة علمية شارك فيها خبراء وباحثون. ليستغل الظرف  لتوجيه رسائل خبيثة للأمين العام ساعتها مولاي اسماعيل العلوي، أمام الحضور الذي غصت به القاعة، مستخدما ثقافة البؤس وهي نفس الثقافة، التي كان يوظفها كلما حلت مناسبة لأنشطة الحزب التي كانت تقام بالخزانة البلدية لسطات، والتي كانت تعرف نجاحات باهرة بمناسبة شهر رمضان، مثل حضور سفير دولة فلسطين أو نبيل بن عبد الله في المسألة الإعلامية.

وخلال كل نشاط كان مول الحزب يستغل فرصا، لتأليب الرفاق على بعضهم البعض بعدما شعر أن الحزب صارت له مكانة تؤهله لخوض الاستحقاقات والفوز بها.

في كل مرحلة كان يتخلص فيها من الرفاق بخلافات ضيقة، بعدها يعمل على توظيف سلاطة لسان خبيث يؤثث فيه لعوامل التفرقة.. وهي الصراعات التي يجهل كيف أن الديوان السياسي لم يحسم فيها في محطات سابقة.

الواقع كان مطلب الراحل الغزوي النائب البرلماني لمنطقة الغرب وعضو المكتب السياسي، أن يوضع حد لهذا العبث، ولا سيما لما ادعى مول الحزب وفي وسط حضور غصت بها القاعة السفلى للبلدية من المستشارين ورؤساء المصالح الخارجية، أنه يلتقي استراتيجيا مع والي جهة الشاوية ورديغة الحضرمي، لما كان يقوم بجولاته المكوكية بين الجماعات. وبالفعل صار يعقد لقاءات معه ويركب خلفه في سيارته الرباعية الدفع.

مول الحزب بحكم استفادته من التفرغ النقابي، كان يجد من الوقت ما يكفي لحضور كل اجتماعات التنظيمات الموازية للفرع الإقليمي، الطلائع والشبيبة الاشتراكية وخلايا الحزب، ويقرر فيها ويناور على المؤتمرات الوطنية، وكل هذا من أجل الحظوة بمقعد بالمكتب السياسي وحين أتاه لم يكن فيه سوى رقاص ومأمور للقيام بعمليات الهدم والخوض في صراعات مؤدى عنها كما حدث في آسفي ومراكش. وكما وظف في المؤتمرات الأخير للحزب.

في خضم كل هذه التطورات كان يعمل على تجييش الشباب، ولما اشتد عودهم في النضج السياسي، اتخذ منهم خصوما، كما حدث مع نائب برلماني شاب حين تقلد المسؤولية الوطنية لتنظيم الشبيبة الاشتراكية ومع رفيق آخر حين صار بمكتب ديوان وزير الصحة..

وظل يحافظ على نهج التأليب وسط شباب الأحياء الفقيرة، ويستخدمهم لاحتجاجات تغيب عنهم فيها نواياه الحقيقية، والتي بلغت نضجها وتعرت.

لقد ركب على انفعالات الشباب، كما ركب على انفعالات طلبة التقدم والاشتراكية والشبيبة وكان يخوض بها تصفيات حقيرة وهجينة. وكان يصنع في طريقه الكامكازيون.

لما وقف في وجه شباب الحزب بالتعنت والبؤس السياسي، البعض منهم اختار تشكيل فريق، وخاضوا به الانتخابات. وهنا كانت الضربة التي قسمت ظهر البعير.

بعدها صار شباب الحزب، كلما تواجهوا معه بمناسبة أي استحقاق حول المراتب التي يستحقونها بأدائهم النضالي وارتباطاتهم الجماهيرية، إلا وعمل على طردهم ببلاغات معتلة خارج الضوابط التنظيمية للحزب وقوانينه الداخلية،  فيقصدون قوى سياسية للانخراط بها، ليعشوا مفارقات قوية وانفصام سياسي وايديولوجي ، داخل التنظيمات السياسية التي منحتهم التزكية، في حين صار مول الحزب يبحث عمن له القدرة على التمويل وتمكينه من التزكية..

في نهاية العمر احترف مول الحزب، مهنا أخرى إلا أن يكون رجلا للإدارة تنظيم سياسي من طينة التقدم والاشتراكية..

إن ما راكمه مول الحزب عبر تاريخه السياسي، هو الاستعداد التلقائي لوقف جماهيرية الحزب، بما أقدم عليه من إغلاق للمقرات والشواهد على ذلك موجودة والبراهين حاضرة.

وبذلك يكون مول الحزب، قد أنجز مهمته التي وظف من أجلها، وهي إقبار التقدم والاشتراكية بمنطقة الشاوية، والتي لها تاريخ مع الحزب الشيوعي في وسط فريق النهضة السطاتية، يوم كان الرفاق ينقلون المال والسلاح وسط الأمتعة الرياضية إلى المقاومة بالدار البيضاء.

حقيقة واحدة التاريخ لا يرحم، بل يعمل على المدى القريب على تعرية النوايا، لمن احترف الفكر الاشتراكي وقيمه النبيلة، سوى بالكلام المتطرف والمواقف المتياسرة والتي ظل غرامشي يرى فيها التلاقي العميق مع المواقف اليمينة.  لقد احترف على مدى سنوات والتقول في الرفاق بخبيث اللسان الذي يتم ابتلاعه اليوم إلى غير رجعة.

لم أكن في يوم من الأيام أن أتصور أن مول الحزب وعضو ( المكتب السياسي ) أن يصل إلى وظيفة، منح إشهاد لشخص لا صلة له بالتقدم والاشتراكية للإدلاء به لقاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية وضد رفيق وهو إشهاد كاذب.

هنا تيقنت أن هذا الشخص الذي طالما قدم نفسه شيوعيا، ولبس قبعة ماوتسي تانغ، لم تكن له سوى مسؤولية واحدة، هي هدم القيم التي نجني جميعنا نتائجها، والتي عملت على اجتثاث التقدم والاشتراكية من تربته الجماهيرية وأدواه البيداغوجية في تربية الناس، على أن النضال مسؤولية وأن الحرية تقتضي أن نستحضر حرية الآخرين.

وإن الهدم اليوم مكلف في امتداداته، التي وجب الوعي بها لإصلاح الأعطاب، التي صنعها الاتجاه التحريفي والاتنهازي، وأن الكلفة لن تكون لها تداعيات مؤلمة، إلا على الآخرين وعلى مصيرهم ومستقبلهم ، هؤلاء الذين صدقوا ذات يوم في اجتماع مغلق أكاذيب، أن النضال يأتي بالاندفاع ورفع صوات الحناجر.

وحين استفاقوا من غفوة الوهم الكاذب والأيديولوجية الرعناء، وجدوا أنفسهم في مواجهة  قوانين لا يحق لأي عاقل أن يعمل على تجاوزها.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *