بورطري رجل من زمن النضال النقابي بالتكوين المهني
فؤاد الجعيدي
سيدي محمد العلوي، تعود معرفتي به زمن البدايات الأولى، لتدشين مرحلة جديدة في تاريخ الجامعة الوطنية للتكوين المهني، كان يتمتع بحيوية خاصة ولازال، أدركت أن الرجل كان إلى جانب آخرين الراحل، سيدي ديامند الذي وافته المنية بالديار المقدسة والراحلين السايق وأيت علي، والذين في وقت مبكر وفروا لمكتب التكوين المهني، كراسات بيداغوجية، وكانت لقاءاتنا فيها كثيرا من السياسة وقليلا من البيداغوجية، كنا نلتقي مرة في الأسبوع حتى صارت عادة بيننا.
كنت ساعتها في أوج عطائي النضالي، بانتسابي لحزب التقدم والاشتراكية، الحزب الذي جعل من الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والمثقفين المتنورين، ايديولوجيته المحورية، يناهض الاستغلال ويتصدى له بصرامة وقناعة، وكان الراحل علي يعته في بداية الثمانين من القرن الذي ودعناه، يقول إذا لم يتصدر مقالا الصفحة الأولى من جريد البيان، ذلك اليوم يوما حزينا بالنسبة لقناعات هذا المناضل الفذ..
في هذه المرحلة، كانت علاقاتي برفاقي وإخواني تتوطد بالجامعة الوطنية للتكوين المهني، وتتماسك لحمتها. وفي أحد الأيام استضافني سيدي محمد العلوي، ببيته الكائن بعين برجة، بيت من بقايا الهندسة المعمارية الكولونيالية، به بهو وسقف يميل من الأعلى إلى الأسفل بتواز، على مائد الفطور، عرفت عائلة الرجل، حيث كان في غاية التواضع والبساطة، تحدثنا في منظومة التكوين المهني، وتطوراتها في مرحلة البناء، في تلك المرحلة كنت بجريدة البيان، مسؤولا عن صفحة حول التكوين المهني، تصدر مرة في الشهر على غرار صفحة التعليم، التي كان يشرف عليها المناضل والمربي والبيداغوجي الراحل عبد المجيد الذويب والذي كانت تربطني به وبقوة علاقات من التوجيه في البحث في الموضوعات ذات الطبيعة التكوينية، باعتبار أني كنت المناضل المتميز بالحركية في قطاع التكوين المهني.
في إحدى الندوات، التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية حول المشروع الاجتماعي للحزب، كان الرفيق بوطاطا قد قدم عرضا حول التكوين المهني، في جوانبه المرتبطة بالتكوين المستمر لفائدة الطبقة العاملة.. كانت مفاجأة لي، أن وجدت سيدي محمد العلوي بالندوة وكان حاضرا باسم الاتحاد المغربي للشغل، في الغذاء تناقشنا في المحاور، واقتربنا بالروح من بعضنا البعض..
توالت الأيام، جمعنا سقف واحد، بالاتحاد المغربي للشغل، والتقينا في مؤتمرات وطنية للجامعة الوطنية للتكوين المهني، وبعدها في مؤتمرات الاتحاد المغربي للشغل,
كان الرجل منشغلا بالثقافة العمالية، أعترف أني في هذا المجال كنت إذا ما هيأت ورقة يصعب علي التخلي عنها، وكنت عنيدا أكثر من اللازم، العناد اكتسبته من الحياة ، من الصراع والدفاع المر عن الأفكار، التي اقنعت بها حتى النخاع وبشراسة. داخل اللجنة كان سيدي محمد العلوي يتميز بروح عالية من أجل صياغة التوافقات الممكنة والمطلوبة ومحبوبا من لدن الجميع، وكان يتحلى بصبر المؤمنين والحكماء. حتى في الوظائف التي اشتغلها سيدي محمد، كان رجلا يبحث في المعلومات ويعمل على تجميعها، ويهيئ لتلك المهام فرقا من الشباب، لكنه في مساهماته في الندوات الفكرية، كنت دوما، أجدني أمام إنسان في تحاليله، يذهب للاعتماد على تقديم الإحصائيات ومولع بالمنهاج المقارن، الذي يتيح له استنتاج الخلاصات والدروس من تجارب حقل عمله.
لما أحيل على التقاعد لم يركن للراحة، بل ظل مناضلا عصاميا في صفوف الاتحاد ولازال، ويحظى بين المناضلين باحترام شديد لقدرته على الانصات صياغة التوافقات في اللحظات الحرجة، وفي كثير من المهام الوطنية يعتمد عليه الأمين العام كساعد أيمن، وخاصة لما بوأه المؤتمر الوطني الأخير للجامعة الوطنية للتكوين المهني، مهمة الكاتب العام للجامعة.