وجع من ذاكرة

وجع من ذاكرة
شارك

د.سعيد ألعنزي تاشفين

    أيقظني النداء القديم و رتّب الخواطر من جديد ، يطرق الباب الرحيم في السبيل الذي لا تسعه التأملات و لا تطيقه النبضات بما رحُب . ترى ما الذي في طريق الصاحرة ؟

إنها الأحزان التي لا تسقط أبدا. فيا أبي و يا أمي منكما التوابل الأصيلة التي تجمّل مذاق السجايا ، ومنكما ضحوة الذاكرة التي تدجن ميزان الوجد  و الأنين ، و رسوخ الخواطر في الحواشات والطمي الخصيب منبث القوافي و القصيد و هذه الشذرات . يا أبي و يا أمي عليكما النهار الذي ينمحي من تعب الشوق و عليكما السلام . ويا قدحي من أتاي، ويا مواويل الدّجى لما اكتظ حزني بحزنه و أنا أمسك الصمت حين المواعيد التي منعت الأبواب عندما كنت أنتظر حلول الحلم قبل مجيء الخراب ، مواعيد رعب المآل وأفول العشق في صباه حين أتتني زلزلة الدمع و لتراب ، والحكايا مزجت دمعا جرى من مقلة دمار، وهبت الريح من تلقاء نازفة ، وأومض النبض في الظلماء من تعب . نعم إنها المحبة العتيقة وكثير مني انتهى قبل مخاضه ، وإنه ساحل الليل الجميل ، و إنه النزيف في قلب العمر ، إنها حكاية فلق السماء و بيدر الالتفات الأنيس والمرأة التي طفقت تنسج الحكاية بإملاء ربنا ، و ما بقي مني سيترك القلب في الجراح التي منعت عنه العناق و لم تمنع عنه الجفاء أبدا .

    عليك السلام يا من في جنوح الدامعين يا خيّام ويا حلاّج ويا بوصيري ويا أمّاه وأبتاه ، عليك السلام يا من في يقين الصبر من صبره يمضي ، يا من تناديه أحزانه من جحرها فيستفيق تعبانًا آسفا . ولما نادمتني حُبيبات الندى والوئام الفصيحة في دروب القصر القديم الكبير استحضرتني التواريخ كلها مرة واحدة و استبطنتها ؛ تواريخ في الذاكرة تترآى ، والحكايا هنالك خاصرة للمزار، حيث كان العمر بلا ميعاد إلا من همهمة الهجر البعيد ، ردّوني مني إليّ يا قرباي ، لأنتشلكم منكم ، دسوني مني في قيعة جبي في مراحم الصوم الوضيء عن كل شيء في ترف الدنيا ؛ فيا أهيل المواجيد كم أبجدية ترتّب تيجانها على مسافات المعنى الذي في خطام الدلالة ، كم سنة من الإلهام تبدأ في نشيج الليل و هو يضرب ولادة الفجر ، حزن الأبد يكتبني حفيا ، و سماء تتنصّل من خفر البهاء تناظر وجع الذاكرة يتلوى في أمكنة الأنس الأنيق ؛ إنه هوّ و هيّ و الدروب العتيقات و الوادي الظمآن و سفح الجبل و نكهة المقابر و ملامح العدم و صبر أيوب في متاهات اليومي ..

    هنا ولدتٌ و هنا أحيا سليل الطين أنا والخيزران وجدوع نخل يزيّن محرابنا ، و قليل من عشق  يحاصرني ، و كثير من جوع الجياع و ضياع الغرقى و نكهة الدمع و الفراق و الترحال و الصمت الحكيم .

         هكذا قال لي ومضى ..

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *