ترانيم وجدانية
يكتبها د. سعيد ألعنزي تاشفين
الحنين ؛ ابن شوارع مشّرد يتجول في الطرقات حتى ساعة متأخرة من الليل ، ثم ينام تحت عامود الإنارة في شارع مهجور .
هذا الحنين لا يُعيد الزمان إلينا ، لكنه يُعيدنا إلى الزمان ، وإلى مدن الأمس؛ فنحن المصابون بعادة الالتفات الى الوراء؛ بعض الحنين يسري بنا كالحُمى ؛ يُدخلنا في حالة هذيان محموم، ويعيدنا إلى :
الطرقات القديمة..
والمنازل القديمة..
والتفاصيل القديمة..
والحكايات القديمة..
وعطر وجوه الرفاق القديمة..
فعند الوقوف على ناصية الحنين؛ نحن لا نشبهنا كثيرا، وكأن معجزة ما تُخرجنا من داخلنا فنغادر أنفسنا لنصبح كل شيء !! كل شيء ؛ إلا نحن !!
للحنين قدرة فائقة جدا على فتح أبوابنا وصناديقنا وكهوفنا وأكواخنا المغلقة، نتسلل خلسة إلى ما فررنا منه وإلى ما أغلقنا دوننا ودونه الأبواب، فنقف على الأبواب المغلقة هذه بكل حنيننا لدفء حُرمنا منه لسبب ما، ونغتسل من أدران واقع لا يمتّ لماضينا بصلة، نقف حيارى، ونتمنى بيننا وبين أنفسنا لو نستطيع الولوج عبر أبواب الأمس و لو لحظة!
فبعض الماضي يبقى رطبا نديا لا تغادره الحياة ولا يجف أبدا، كجسد جريح بقي خلفنا وحيدا، كسجد تركه رفاقه ذات غفلة وذات غدر وذات جبن !! ، نسوه وتناسوه وبقي محتفظا بحرارته يئنّ ويصرخ وينادي، ولا يمووووووت ..
هكذا همست في أذني، وقالت لي ومضت …