مواقف وأراء تبنى على العبث الاجتماعي
فؤاد الجعيدي
لم نشهد مثيلا في تاريخ البشرية، لما يحدث اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، من انسياب للتعبير عن المواقف والآراء بالصورة والإشارة والكلام واللغة والرسم والشعارات..
صحيح أن هذه التكنولوجيا الناشئة، توظف على أوسع نطاق وتلغي الحواجز لما تمنحه للأفراد والجماعات من مساحات للتعبير، عن أفكارهم ومشاعرهم، وانتزعت لهم بقوة حقوقا لم يعد بالإمكان التصدي لها بالوسائل القمعية القديمة لإخراس أصوات الناس.
ولم يعد وحدهم محترفو الكلام وصانعو الخطب من يؤثرون في نفوس غيرهم، وهي وظائف ظلت إلى عهد قريب، حكرا على رجال السياسة في المقام الأول والمثقفين..
صار التأثير بهذه الوسائط يصنع حرفيين جدد في التعاطي مع الأحداث ويصنعون منها هزات اجتماعية، ينقسم فيها الناس إلى طوائف في جبهات الرفض والقبول، كما حدث في حالة رجل الأمن الذي طارد يافعين في حالة مخالفتهم لقانون السير، وانتهى المشهد بنهايته الدرامية.
ليستيقظ المسؤولون على دعوات متعارضة منهم من يريد القصاص ومنهم من يتعاطف مع رجل الأمن، الذي كان يؤدي واجبا مهنيا وجد نفس خلف القطبان.
المحامون، سارعوا بدورهم في تقليب أوجه نصوص التشريعي الوطني لملامسة ما يقتضيه الوضع، في خدمة مثل العدالة الاجتماعية وصيانة حقوق الأفراد. وما يعني هذا إلا أنهم التقطوا الأشرطة التي بثت أثناء الحادث وانطباعات الناس الذين لم يكونوا شهودا عيان بل تسابقوا لتقديم تصريحاتهم لميكرفونات شاعت وظائفها في جر ألسنة العامة للحديث على الهواء مباشرة.
لم تعد لنا فرصة لالتقاط الأنفاس والاحتكام إلى عقولنا أمام هذا الغزو الذي يغلف الحقائق، ويواكب بها موجات محمومة للانتصار إلى فرجة عالية، تخدم النمط الشفوي للحكايات في تداولها بين الناس.
لا يمكنا لنا في الوقت الراهن، التصدي لهذه التحولات إلا بدعم قدرات إعلامنا الوطني، والارتقاء به، لمواجهة هذا التفسخ والابتذال الذي شاع استخدامه بين الناس، حيث التفاهة تنتصر وتتمدد مساحاتها في واقع لا ينهض على الانتصار للقيم والأخلاق التي تحافظ للناس على كينونتهم الاجتماعية وعلى تعايشهم في فضاء مشترك، دون خوض صراعات هامشية يشعل فتنتها أناس تافهون.
إن الطبيعة تكره الفراغ، وبالذات أن هذا الفراغ الذي لم تستطع المواقع الرقمية والمنابر الإعلامية الجادة والمسؤولة، احتلاله لبناء رؤى الناس حول انشغالاتهم الحقيقية، وبالتالي تركت المجال لتسود فيه سيطرة نماذج التضليل الإعلامي، الذي يراهن على الإثارة، التي لن تبني نسقا مجتمعيا قادرا على بناء ذوات الناس، بقدر ما تنتج مساحات للتيه بلا آفاق.