في علم النفس الجماهير

في علم النفس الجماهير
شارك

يكتبها لكم د. سعيد ألعنزي تاشفين

    إختزل المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي الطّرق التي تستعملها الدول ذات الطابع التحكمي عبر وسائل الإعلام العالميّة للسيطرة على الشّعوب و لخّصها في عشر استراتيجيّات أساسيّة :

    (1) استراتيجيّة الإلهاء : هذه الاستراتيجية عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات ، و هي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة و التغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية و الاقتصادية ، و يتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة . استراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم ، الاقتصاد ، علم النفس ، التاريخ ، السوسيولوجبا ، الأنثروبولوجيا ، بيولوجيا الأعصاب ، علم الحواسيب . يقول تشومسكي :  » حافظ على تشتّت اهتمامات العامة ، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية ، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة . إجعل الشعب منشغلا ، منشغلا ، منشغلا ، و منشغلا دائما بأفته الأشياء ، دون أن يكون له أي وقت للتفكير ، و حتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات دون نقد أو فهم و دون أية قدرة على بناء الاستنتاجات .  » ( مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة ) .

    (2) ابتكر المشاكل، ثم قدّم الحلول : هذه الطريقة تسمّى أيضا  » المشكل – ردّة الفعل – الحل  » . في الأول نبتكر مشكلا أو  » موقفا  » متوقــَعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب ، و حتى يطالب هذا الأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها . مثلا : ترك العنف الحضري يتنامى ، أو تنظيم تفجيرات دامية ، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حرّيته ، أو ابتكار أزمة مالية حتى يتمّ تقبّل التراجع على مستوى الحقوق الإجتماعية و تردّي الخدمات العمومية كشرّ لا بدّ منه .

     (3) استراتيجيّة التدرّج : لكي يتم قبول اجراء غير مقبول ، يكفي أن يتمّ تطبيقه بصفة تدريجيّة ، مثل أطياف اللون الواحد ( من الفاتح إلى الغامق ) ، على فترة تدوم 10 سنوات . و قد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو – اقتصاديّة الجديدة بين الثمانينات و التسعينات من القرن السابق : بطالة شاملة ، هشاشة ، مرونة ، تعاقد خارجي و رواتب لا تضمن العيش الكريم ، و هي تغييرات كانت ستؤدّي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة .

     (4) استراتيجيّة المؤجّــَـل : وهي طريقة أخرى يتم اللجوء إليها من أجل اكساب القرارات المكروهة القبول و حتّى يتمّ تقديمها كدواء  » مؤلم و لكنّه ضروري  » ، و يكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل . قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينيّة . أوّلا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين ، و ثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن  » كل شيء سيكون أفضل في الغد  » ، و أنّه سيكون بإمكانه تفادي التّضحية المطلوبة في المستقبل . و أخيرا ، يترك كلّ هذا الوقت للشعب حتى يتعوّد على فكرة التغيير و يقبلها باستسلام عندما يحين أوانها .

     (5) مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار : تستعمل غالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب خطابات و حججا و شخصيات و نبرة ذات طابع طفولي ، و كثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني ، و كأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا . كلّما حاولنا مغالطة المشاهد ، كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة . لماذا ؟ ،  » إذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر ، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردّة فعل مجرّدة من الحسّ النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردّة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشر عاما .  » ( مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة ) .

     (6) استثارة العاطفة بدل الفكر : استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تُستعمل لتعطيل التّحليل المنطقي ، و بالتالي الحسّ النقدي للأشخاص . كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار ، رغبات ، مخاوف ، نزعات ، أو سلوكيّات .

    (7) إبقاء الشّعب في حالة جهل و حماقة: العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات و الطّرق المستعملة للتحكّم به و استعباده .  » يجب أن تكون نوعيّة التّعليم المقدّم للطبقات السّفلى هي النوعيّة الأفقر ، بطريقة تبقى إثرها الهوّة المعرفيّة التي تعزل الطّبقات السّفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطّبقات السّفلى » . ( مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة )

     (8) تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة: تشجيع الشّعب على أن يجد أنّه من  » الرّائع  » أن يكون غبيّا ، همجيّا و جاهلا ، و أن يتلذذ بمعاناته بنفسه يخلق البهرجة في كل شيء .

     (9) تعويض التمرّد بالإحساس بالذنب : جعل الفرد يظنّ أنّه المسؤول الوحيد عن تعاسته ، و أن سبب مسؤوليّته تلك هو نقص في ذكائه و قدراته أو مجهوداته . و هكذا ، عوض أن يثور على النّظام الاقتصادي ، يقوم بامتهان نفسه و يحس بالذنب ، و هو ما يولّد دولة اكتئابيّة يكون أحد آثارها الانغلاق و تعطيل التحرّك . و دون تحرّك لا وجود للتغيير .

    (10) معرفة الأفراد أكثر ممّا يعرفون أنفسهم : خلال الخمسين سنة الفارطة ، حفرت التطوّرات العلميّة المذهلة هوّة لا تزال تتّسع بين المعارف العامّة و تلك التي تحتكرها و تستعملها النّخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء ، بيولوجيا الأعصاب و علم النّفس التّطبيقي ، توصّل التحكم إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري ، على الصّعيدين الفيزيائي و النّفسي . و أصبح هذا  » التحكم  » قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه ، و هذا يعني أنّ التحكم – في أغلب الحالات – يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *