الإدارة التربوية بين سندان الواقع و مطرقة الإبداع.

الإدارة التربوية بين سندان الواقع و مطرقة الإبداع.
شارك

مصطفى فاكر

تعتبر الإدارة التربوية من أصعب  الإدارات على الإطلاق، حيث تتجه نحو تأهيل الموارد البشرية عبر  إعداد أجيال من المواطنين  للمستقبل، و بالتالي تفرض عليها تحديات العصر الحالي عبر إعادة النظر في المنظومة الإدارية التربوية و ذلك بتغيير فلسفة و بنية و أوضاع هذه الإدارة، فلم تبق تلك الإدارة الكلاسيكية المتعارف عليها بالتوقيع، و إرسال وسحب الملفات وصلة وصل بين المديرية الإقليمية و المؤسسة التعليمية عن طريق المذكرات الوزارية و الجهوية، لذلك فإن التجديد الذاتي للإدارة التربوية يعد ضرورة حتمية.

إن وثائق المشاريع الإصلاحية التربوية التي عرفها المغرب حديثا لا تتضمن استعراضا ولا تشخيصا لحالة الإدارة التربوية، كما أنه لم يتم وضع ميثاق وطني إداري ملائم وتام أو كتاب أبيض إداري يتضمن الإجراءات المتعلقة بالهيكل التنظيمي وأدوار الفاعلين التربويين بمختلف مستوياتهم، مما جعل إدارتنا التربوية تعاني من ازدواجية المهام، فهي تجمع بين مقتضيات التدبير الإداري الحديث من قبيل المردودية والتواصل والكفاءة، ولكنه في نفس الوقت تم الاحتفاظ بإرث النظام الإداري  التقليدي القائم على نزعة التقديس وشخصنة السلطة وطاعة الموظفين للأوامر، وتكريس علاقة التبعية بين الرئيس والمرؤوس، واستمرار هذه العلاقة التقليدية في الإدارة ساهم في إرساء الزبونية فأضعف حس المسؤولية، مما نجم عنه تنامي الانحرافات في التسيير.

إن التخطيط و التنظيم و القيادة و التنسيق و الرقابة و باقي الوظائف الإدارية غالبا ما تأخذ شكل قرارات إدارية، و هذه القرارات الإدارية ليس لها قيمة مالم يتم إيصالها للمنفذين عبر شكل من أشكال التواصل والاتصال، وأن التواصل والاتصال هما الموجه الحقيقي والضامن لنجاح العاملين في أداء مهامهم على الوجه المطلوب، بل إنهما روح الأنشطة في المؤسسة التربوية وبدونها لا يمكن أن تتحرك المؤسسة لتحقيق أهدافها.

إن على إدارة المؤسسة أن تقيم علاقة الثقة والوضوح بينه وبين الموظفين الذين تحت إمرته ويستثمرها فيما يعود على المؤسسة بالنفع والمردودية.

إن رؤساء المؤسسات التعليمية المتمرسون بالعمل الإداري والمبدعون في فن التواصل يتوفرون على قدرات وخبرات خاصة تساعدهم على اكتشاف قدرات و تطوير مقدرات كل فرد من أفراد إدارته، أما الآخرون فيكونون حراسا للنصوص و الأعراف الإدارية، ولا يتصرفون كقوة إقتراحية مصححة و معالجة من موقع الأسانيد المعرفية و التربوية التي تؤطرهم لأي خلل أو إعوجاج، فيبقون محترمين و متضرعين بالتطبيق الجاف للإجراءات التنظيمية و القانونية في منطوقها السلبي.

قد يكون في أي مؤسسة تربوية أشخاص وموظفون يتصرفون بمهارات و مقدرات ذات فوارق هائلة و بشخصيات أو ذوات غير متناغمة و لا متجانسة، بل متنافرة و معارضة فكريا و سلوكيا. ومن هنا على الإدارة التربوية المتميزة و المبدعة أن تكرس جزءا كبيرا من عملها لوضع الخطط و البرامج التي تساعد كل موظف بما يناسب قدراته لكي يبدع في ذلك العمل مع تجنب وضع موظفين أو أكثر لهم شخصيات مختلفة في نفس المكان و نفس المهمة حتى توفر لكل واحد منهم سبل النجاح في المهمة المنوطة بهم و سيتحقق النجاح الشخصي لكل موظف.

إن من أسباب تركيز الإدارة التربوية الجديدة على ما ينفرد به موظفوها من خصائص لا يعود إلى أن هذا يساعد على تطور العمل، بل لأنهم لا يستطيعون ثني أنفسهم عن الفعل. فالموظف المتميز و المتفرد ببعض الصفات و القدرات الخاصة يجب الاعتراف له بذلك لأن شخصيته لا تتعزز إلا بتعزيزها و تحفيزها.

لكي تنجح الإدارة التربوية في التدبير و التسيير يجب عليها ألا تبالغ في النبش و الفضول في استقصاء الخصائص الفردية لموظفيها، وأن يحصر نطاق اهتمامه في معرفة الأمور المتميزة و الفريدة عن هؤلاء الموظفين للحصول على أفضل ما لديهم وبالأساس تحديد نقاط القوة بغرض الإفادة منها، وهذا الأمر يتطلب الوقت والجهد للإحاطة التامة بما لدى الموظف من نقاط الضعف و القوة ووضع خطة محكمة للتغلب على الهفوات التي قد تحصل.

أن سر النجاح في المهام و الأعمال الإدارية هو تقدير الاختلافات الشخصية، وهذا لا يعني أنهم لا يحتاجون إلى مهارات أخرى، فهم في حاجة إلى العديد منها، و إن النجاح في المهام المنوطة بالموظفين تدعو إلى تمكينهم من إطلاق العنان لقدراتهم الكامنة في المجالات التي يجدون أنفسهم فيها، و ليس بقولبة تلك القدرات و تجميدها.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *