الضرب في المليان

الضرب في المليان
شارك

رأي في قضية

بقلم: عبد الحق الفكاك

جميل جدا أن يشعر تلاميذنا، بأن شيئا ما قد تغير فعلا، وأنه لم يعد بالإمكان اللجوء إلى أساليب الغش القديمة منها والحديثة.. والأجمل من ذلك كله أن تتعبأ أكتر من جهة واحدة، فتتدخل الشرطة القضائية والوقاية المدنية والقوات المساعدة والسلطات المحلية، فيسود في مراكز الامتحان جو من الحذر واليقظة  إلى درجة يتأكد فيها الجميع من أن الوزارة مستعدة، للضرب بالحديد على يد كل من يحاول الوقوف في طريق إصلاح منظومتنا التربوية ..

وكما كان متوقعا، فقد عمد قراصنة العالم الافتراضي إلى استعراض مهاراتهم من خلال تسريب بعض أوراق الامتحانات، مع القيام  بالإجابة الفورية على مختلف الأسئلة، بمجرد توصل التلاميذ بها وهو ما أعتبر تهديدا حقيقيا لكل  الجهود التي بذلت، من أجل القضاء على ظاهرة الغش في الامتحانات

وبالفعل، فقد أعلنت الوزارة عن ضبط ما يناهز 1965 حالة غش، عبر التراب الوطني وهو رقم جد متواضع بالنظر إلى عدد مراكز الامتحانات.. وقد تم اعتقال العديد من الجناة في حين ظل قراصنة الشبكة العنكبوتية في حالة سراح مؤقت إلى حين كشف أسمائهم أو أماكنهم لتقديمهم للعدالة وإن كان هذا  لازال من باب المستحيل.

المهم أن امتحانات هذه السنة، ليست كسابقاتها وكل الإجراءات المتخذة تؤشر بأن الوزارة الوصية، مصممة أكتر من أي وقت مضى على رد الاعتبار للشهادات التي تمنحها الدولة المغربية، حتى لا يبقى التشكيك في مصداقيتها أو يضعف من قيمتها من جهة و خدمة للمصلحة العليا للوطن والمواطنين  من جهة أخرى.

طبعا كل ما حدت يثلج الصدر، ويدعو إلى الارتياح وهدا شعور كل مغربي غيور على بلده، ومهتم بمستقبل أبناءه، وإن كان على الوزارة أن تتخذ كل الاحتياطات اللازمة قبل أيام الامتحان وذلك منذ بدء الموسم الدراسي وخلال الأيام الأولى لتسجيل التلاميذ بأقسام التعليم الأولي، وليس في الأمر مبالغة أن تشدد من مراقبتها لما يجري داخل الفصول الدراسية، وتمكن مدرسيها ومفتشيها من أدوات الاشتغال، ووسائل النقل للوصول إلى القرى والمداشر النائية، في ما يشبه المصاحبة المستمرة، للوقوف على حقيقة الوضع التعليمي بالمغرب. ..أما خلال يوم الامتحان، فيكفي وضع أجهزة التشويش الإلكترونية بساحات مراكز الامتحان، لإبطال عمل الهواتف النقالة والآلات المشابهة مع تأمين الحجرات والفصول الدراسية كي لا يقتحمها الغرباء.. ولا بأس من الاستعانة – إذا أمكن – بكاميرات مراقبة لمتابعة كل مجريات الأمور ..

لكن هل على الوزارة وحدها  تقع مسؤولية خوض حروب الغش والاحتيال التي تزداد ضراوتها من يوم للآخر؟ في الحقيقة الكل يعلم بأن كل الوزارات مدعوة اليوم إلى القيام بدورها في مقاومة هذا السلوك المشين، الذي طبع حياتنا اليومية فأسواقنا للأسف تعج بكل ألوان الغش والخديعة، فلشراء التوابل مثلا عليك أن تكون خبيرا في مهنة العطارة، أما عند شرائك للبن فيجب أن تحتاط حتى لا تكتشف بأنك اشتريت الماء ولا شيء غير الماء .. وقس لك على بائع الملابس، والأجهزة المنزلية واللحم والخضر والأكلات السريعة ..إلخ

أما إن فكرت في شراء قطع غيار السيارات،  أوحتى اقتناء شقة،  فيجب أن تستعين بخبير وإلا وقعت في فخ النصب والاحتيال.. ومع انتشار طرق التقليد بالاستعانة بالأجهزة المتطورة، فإنك حتما ستقع فريسة سهلة في يد أباطرة التهريب والسلع المزورة.. ولن تقوى على فعل أي شيء، اللهم أن ترفع يدك للسماء مناجيا ربك أن يجيرك في ما ضاع منك وراح

والأنكى من ذلك كله، أنك قد تصادف شخصا ما فتتعاقد معه على اعتبار أنه يمثل جهة رسمية ما، إذ لن يتردد في تقديم نفسه إليك كممثل وزارة أو أنه الوزير نفسه .. فتعلق عليه كل أمالك وتمنحه مالك  ثقتك . ثم يختفي فجأة فتبحث عنه في كل الأمكنة المعتادة، لتكتشف بعدها بأنك كنت تطارد خيط دخان

هكذا أصبح مجتمعنا المعاصر: كذب وزيف.. وادعاءات بالجملة.. وغشاشون يتربصون بنا من كل جهة، وعلى غفلة منا قد تسرق كل أحلامنا  بل تهدم كل ما بنيناه مند عشرات السنين بين عشية وضحاها.. لذلك لابد من تعبئة كل الوزارات لمواجهة هذا الخطر القادم الذي يكبر فينا ليل نهار ويهدد مستقبل بلدنا

أما الغشاشون الصغار، فعلينا أن نعلمهم نحن الكبار معنى الوفاء للوطن والإخلاص في العمل، منذ أن تطأ أقدامهم الصغيرة حجرات الدرس .. أو عند مرافقتهم لنا للتبضع أو لولوج مكاتب إداراتنا.. أو حتى مشاركتهم لنا في حملاتنا الانتخابية.. أو عند متابعتهم لأشغال الحكومة، والبرلمان.. فهؤلاء – والله – مظلومون ولا ذنب لهم سوى أنهم فتحوا أعينهم، فوجدوا أنفسهم يعيشون في ما يشبه غابة ذئاب حيث المكر والخديعة.

وعليه فينبغي التصدي لكل أنواع الغش، ليس عن طريق تنظيم الندوات وتقديم النصائح والمواعظ الحسنة، لأنه للأسف يعيش بيننا من الغشاشين الكبار الآمنين من لا ينفع معهم ترغيب في ثواب أو ترهيب من عذاب اللهم الضرب في المليان على حد تعبير إخواننا المصريين .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *