العطر الكافر

( قصة قصيرة)

من إبداع شيخ القاصين عبد الحميد الغرباوي

روى لي صديق هذا الواقعة:

أ أقول دخلت أم ركبت أم حشرت نفسي داخل طاكسي صغير من الطراز القديم؟..

من عادتي أني لا أنتبه إلى سائقه وأكتفي بالنظر أمامي مشيرا إلى الوجهة التي أبتغي الوصول إليها..

كانت آلة التسجيل تصدح بآيات من الذكر الحكيم..

مع الذكر الحكيم لا مجال للحديث،  » وَإِذَا قُرِئَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ »

شخصيا لا أحبذ تلاوة القرآن في الأماكن العامة، وخاصة في أماكن العمل، كيفما كان هذا المكان..و لا أدري إن كان السائق، على دراية وعلم بذلك،  فما أن قطعت السيارة أمتارا حتى أخذ يتأفف، الأمر الذي دفعني إلى أن ألتفت إليه…

عزوت تأففه، في البداية، إلى الحرارة المفرطة، لكن حرارة اليوم أقل بكثير من حرارة البارحة، كنت على وشك أن أتقاسم معه نفس الشعور بالقول:

 » الله يلطف بعباده »

لكن خشيت أن أسمع منه درسا في ألطاف الله، و في المتسببين في غضب الله وفي جحيم الدنيا هذا، وما أدراك بجحيم الآخرة، فسكت، خاصة وأن تلاوة القرآن كانت متواصلة..

أحيانا، وليس دائما، وأنا أهم بالخروج من بيتي، يحلو لي أن أضع قطرات من عطر باريزي ثمين كان صديق لي يعيش في المهجر قد أهداه لي ذات مناسبة، وهذا ما فعلت..

أيكون هذا سبب تأففه !

و هل عطر منتقى بعناية من  متجر من متاجر باريز المختصة في العطور، يثير كل هذا القدر من التأفف والاشمئزاز !

أم كان يلزمني ألا أضع العطر أصلا! فالعطر مخصوص للنساء فقط..

أوقف الضوءُ الأحمرُ السيارة، و لسبب أجهله، توقف المرتل عن الترتيل..استغل السائق اللحظة وأخرج من جيب سرواله بخاخا يرش به على ثيابه كما لو أنه  ليزيل أو ليطرد  رائحة كريهة من داخل السيارة ..

باغتتني عطسة، لصق بعض رذاذها على زجاج السيارة..

اعتذرت..

لم يعر عطستي ولا اعتذاري اهتماما. تحركت السيارة مع الضوء الأخضر فعاد المرتل يواصل ترتيله..

وأنا أهم بالنزول، مد البخاخ إلي يدعوني إلى تعطير بل إلى تطهير ثيابي، قائلا بنبرة جادة تكاد تكون أمرا قاطعا:  » دعك من روائح الكفار النجسة « ..

ــــــــــــ

من مجموعة قصصية قادمة: ( لا طمأنينة في المدينة)