فاستقم كما أمرت واعرض عن الجاهلين

د. سعيد ألعنزي تاشفين
قلت يا أبي خذلني فلان ؟؟
فقال : وسيخذلك غيره وغيره ، وسيلتفت عنك غيره، ويظلمك غيره ، وتطأك الدنيا بمنسمها وحافرها، وتدهسك صروف الأيام ، ستتوجع كثيرا، ستأخذك عواصف البأساء و الضراء ، وهذا كلّه لا يهم كثيرا .
بالمقابل سيغسل همّك من لا ترجو ولا تنتظر، ستفرح كثيرا ، سينصرك البعض و يكرمك البعض ، ستمطر عليك أمطار العطاء الجزيل، و سيضمد بعضهم جراحك ، و يقيل عثرتك ، و سيحملك بعضهم على أجنحة المنّة ، و تهبك عطايا السعداء و السّراء ، و هذا كله أيضا لا يهم كثيرا يا بني .
المهم حقا هو أن تعرف أيضا أن رضاك أنت و سعدك أنت لن يخرج إلا من يقينك الذي في حشاياك ، من رضاك عن ربك ، أن تعرف أن العلم و الرزق مخبئين في القلب فابحث عن محافير كنوزك ، فكم من مالك للدنيا يمشي بين الناس تعيس و كم من فقير بمعاييرهم يمشي بينهم و كأنه ملك الدنيا ؛ فانتبه و استقم ، و لاتستغرك الأكوان فإنّ المكون بين ظهرانيك يطرق بابك ، و لا يستخفّنك المحل فإن الحال ينظر اليك برفق و ينتظرك .
يا بني إن أبناء الأيام محدودين و عابرين و معذورين فخذهم على مقادير سِعاتهم ، و لا تحمّلهم ما لا يحتملوا ، فهم أيضا مستغرقون في وعثاء محنتك ذاتها ، لُذ إلى حيث صمدية الملاذ و أعرض عمّا سواها ، تجدها في تراب الدروب و رمله ، و في أعين الصغار ، و محبة الأمهات و دعوتهن ، و في حيرة السابلة و أنين الجوعى و وجع المرضى و في مثابرة العصافير و الأمل الذي في اخضرار الزروع .
يا بني اجعل وردك هروبا من الخلق و انتباها عميقا لخطوك، واجعل وصالك أعطية و جبر خاطر.
سبحانه يدبّرأمري و لا علم لي .. و عليه عقيدةً ؛ لا ملجأ لي إلا له ، هو الملاذ و هو لطيف بالعباد ..
** الصورة من وحي ترميم تصدعات باب قصرنا الأصيل ، هنا أعيش في حضرة الطين ؛ فيه أمتح صمودي و تعفّفي ، هنا منزلنا الجميل بالتراب و التّبن و جدوع النخل أعشقه و لست أجحد أبدَا ؛ و الوشائج بين الصورة و المتن هو التواضع في حضرة الله العزيز بعيدا عن متاع الغرور ، و العاقبة للمتّقين ..