حين يصمت العصفور … تصمت زوايا الروح

حين يصمت العصفور … تصمت زوايا الروح
شارك

    المختار عنقا الإدريسي.

  1. حين يغيب المغرد الصغير

       الطيور ليست مجرد كائنات تطير، إنها أرواح صغيرة تعلمنا كيف يكون الفرح بسيطا، بليغا، مؤثرا في نفس الوقت.

فطائري الصغير « الميسو »

 -【 وهو طائر هجين ناتج عن تهجين طائر الحَسون مع طائر الكناري، يمتلك مزيجا من صفات طائر الحسون الجذابة وطائر الكناري المغرد الجميل 】-

هو عندي أكثر من مجرد طائر يعيش في قفص، كان رفيقا للوحدة وشاهدا على اللحظات الصامتة، هو النبض الصادق المحلق في فضاء السكون، وقطرة ضوء في أيام الغياب تملأ البيت بتغريدات تشبه الفجر حين يلوح من بعيد لبعيد، طارقا نافذة القلب.

     سنوات مضت وهو يرافقني، يعرف صمتي، ألمي … يؤنس مسائي ويُفْرِحُ صباحي، يسبقني أحيانا في الفرح يقاسمني الحزن بحركاته وبصوته الشجي الذي لم يعرف للشكوى أي طريق. يعلمني أن للألفة نغمة متفردة وللحياة إيقاعا خاصا من شدة تعلقنا به. أحزنني كثيرا وهو يتألم، يحتضر، تقلصت الزوايا التي كان يحلق فيها، وغدا صمته أثقل من كل الألحان. كم هو غريب هذا الشعور، حين يتسلل الفقد من نافذة الريش ويتمدد الجناحان استعدادا لك أيها الرحيل الأبدي، تاركا فراغا شفيفا في الروح قبل الجسد. فالألفة ليست اعتيادا …إنها وعد غير مكتوب بأن الحياة قد تصبح أرحب وأجمل بصوتك الشجي يا طائر « الميسو  » الرائع.

2 من ألفة الطيور، إلى ألفة الأرواح.

     الفقد ليس حكرا على بني البشر، فحتى الطائر الصغير يعلمنا أن الحياة شبكة من اللقاءات …  الوداعات. وأن الألفة ليست بطول المدة، بل هي كامنة في عمق الأثر.

لقد كان ذاك  » الميسو « 

مدرسة في البساطة، الصبر التحمل وهو يتنقل معنا ونحن نقطعها المسافات الطويلة، وصاحبني في رحلات قطار  » البراق  » مرات عديدة، دون أن يبخل بعطاءاته التغريدية المتناوبة بين الفرح والحزن.

    فوداعك ليس نهاية صوتك الشجي الذي يطربني، يسعدني، يجعلني أحلق في فضاء أوسع وأرحب.

وداعك أيها الكائن الصغير هو اختبار لذاكرتنا العائلية، فهل نستطيع أن نسمع صداك أو نستحضره وأنت في طريق الغياب القهري، بعد أن كنت فرحا لا يقاس، رمزا للصحبة التي لا تسأل شيئا وتعطي كل شيء دون أن يطلب منها ذلك.

3   حين يتوارى الصوت احتضارك أيها الصَدَّاحُ ليس فقط نهاية الحياة، بل هو بداية فراغ مهول، حين يغيب صوتك، حركات، شذوك، يغدو المكان أثقل بكثير. القفص أبكم، اللحظات

أكثر بطئا، فنكتشف كم كنا نتكىء على مؤانستك لنتحمل ونجاري تعقيدات الأيام.

   الفقد يذكرنا أن كل ما نُؤْنِسُ به غربتنا هو مهدد بالغياب، وأن الصداقة ليست دائما بين البشر، بل قد تتجسد في جناحين، في نظرة، في تغريدة، في اعتناء يشد أزر القلب. إنه درس صامت وبليغ في المحبة والتعلق بما يملأ أيامنا ويصير سلوكا يوميا مطبوعا بالدقة والضبط تجعلنا نربط وجودنا ببقائه.

فوداعا أيها  » الميسو « 

وسيبقى ألمك، حركاتك وجعا في القلب. وتغريدتك ذاكرة لا ولن تشيخ أو تنمحي، حتى وإن صمت قفصك الى الأبد. وأنا على يقين تام أنك روحا خفيفة تلامس

 قلوبنا، دون أن تطلب منا أي شيء، سوى أن نصغى لصوتك من بعيد، يحوم في زوايا كل الأمكنة التي كنت تشغلها، وكأنها تبحث عن صدى حضورها في أرواحنا المتعبة.

فوداعا يا رفيق الصوت الجميل.

طنجة في 3 شتنبر 2025

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *