عرس الفنون الرقمية « المهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء »
بقلم: أحمد طنيش
1ـ عن العرس الفني، لفن الفيديو:
حينما يصل الإنسان إلى عمر ثلاثين سنة، بمعنى أنه خطى مراحل زمنية ؛ إذ لكل زمن دوره وتأسيسه وميلاد شرعي للانتقال إلى الزمن الموالي، لكن محطة عمر 30 سنة وهي تجمع المراحل العمرية الأخرى تجد نفسها بين الشباب وما بعد الشباب أو شباب في عمر آخر، وهذا ما ينطبق بالفعل على المهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء، الذي يصل إلى مرحلة الاحتفاء به في عرس الدورة 29، وعمر 30 سنة، لكون إحدى الدورات الأولى لم تقم لأسباب تنظيمية، تذكر المؤسسين أن المهرجان مر من عدة مخاضات بين الفكرة والتحقيق والتطلع إلى الاستمرارية، لكن الرهان والحلم والطموح كان أكبر وتحقق لهذا المهرجان حلمه واستمراريته وكان له السبق التاريخي حتى فرض نفسه على الحاضر بناء رمزية الماضي وبذلك يفرض نفسه على المستقبل.
2ـ الندوة الصحفية للعرس الفني لفن الفيديو:
بدون أي تخطيط أو تنسيق مسبق، عاشت الدار البيضاء ليلة الثلاثاء 31 أكتوبر 2023، مع حدثين عالميين لهما علاقة بالفنون، الأول الاحتفاء بمرور ثلاث عقود على تأسيس المهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء الذي تنظمه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك؛ إذ كانت اللجنة المنظمة للمهرجان في لقاء صحفي للإعلان عن الاحتفاء بفعاليات الدورة 29 للمهرجان، التي ستنطلق من 7 إلى 11 نونبر 2023، عبر فضاءات ثقافية موزعة على جغرافية الدار البيضاء، يحضر فيها الحدث المرتبط بالفنون الرقمية الذي اتخذ له موضوعا دالا: « من شريط الفيديو إلى الذكاء الاصطناعي »؛ أقيمت الندوة الصحفية بفضاء المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، كفضاء رمزي لاحتفاء المدينة بالفنون والفنانين وبالإبداع، عبر تاريخ فني طويل لهاته المؤسسة الفنية التي تأسست سنة 1919، وهي احتفائية بمائوية الفنون بالبيضاء، مكانا وإبداعا وروادا وصولا إلى الجيل الحديث من الشباب الذي يأخذ تكوينه في هذه المدرسة في مجالات الفنون التشكيلية وفن التصميم الداخلي وتصميم الإشهار، ويسجل للتاريخ أن لهذه المدرسة شراكة ثقافية وفنية وعلمية عريقة مع كلية الآدب بنمسيك إذ انفتحت الفضاءات على بعضها خدمة للفنون والبحث الأكاديمي.
الحدث الثاني الذي تزامن مع ليلة الندوة الصحفية، إعلان منظمة اليونيسكو، تصنيف مدينتي الدار البيضاء ومدينة ورزازات ضمن شبكة المدن المبدعة، حسب ما أعلنت عنه صباح اليوم الثلاثاء 31 أكتوبر 2023، في بيان لها، وقد أعلن باسم المجلس الجماعي للبيضاء أن هذا التتويج والتصنيف أتى بفضل مشروع شارك فيه المجلس الجماعي للدار البيضاء رفقة القطاع الوزاري المعني بالثقافة إضافة إلى مؤسسات مهتمة بالفنون والتراث، العمل الذي أسفر عنه تصنيف مدينة الدار البيضاء في مجال الفنون الرقمية من طرف اليونيسكو، وأكد نائب عمدة البيضاء أن هذا الإنجاز من شأنه أن يعطي قيمة كبيرة للبيضاء ويعزز من مكانتها ويعلي من شأن هذه الفنون الرقمية الحديثة.
3ـ تاريخانية العرس الفني لفن الفيديو:
يشار إلى أن الدار البيضاء مدينة إبداعية بامتياز في مجال الفنون الرقمية بفضل المبادرات المتعددة، وبفضل المؤسسات التكوينية وبفضل الفعاليات المنفتحة على العالم، ومنها المبادرة التاريخية لكلية الآداب بنمسيك، التي كان لها فضل السبق والقيادة والتفعيل وانفتاح المدينة على تجارب العالم وخبرات رواد هذا الفن، الذين حضروا بين ظهران هذه المدينة ورسخوا فكرة بل نهضة هذا الفن، وبفضل الجهود الجماعية للمبدعين والأكاديميين والشباب من البيضاء والمغرب والمعمور، يصل المهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء إلى دورته 29، ويدشن لعقده الثالث، وهو مكتسب لهذه المدينة الذكية عبر تاريخها المسجل في عدة وثائق ومراجع وبحوث أنثروبولوجي، إلى مرحلة الفنون الرقمية والذكاء الاصطناعي، الذي يؤسس لمرحلة أخرى من الممكن أن تحق القطيعة الأبستمولوجيا، على غرار القطيعة الابستمولوجية التي لامسها وحاورها « باشلار » وفق تصوره لتاريخ العلم، كون العلوم والفنون لا تسمح باستنباط النظريات الجديدة من التاريخ السابق لها في مجالها، من خلال هذا البعد صرح الفنان « بيل فيولا » 1974: « ربما يكون الفيديو هو الشكل الفني الوحيد الذي له تاريخ حتى قبل أن يكون له تاريخ »، وسيكون للمهرجان مناسبة أخرى للاحتفاء بالذكرى الستين لظهور فن الفيديو منذ سنة 1963 في ألمانيا، وذلك خلال معرض فلوكسوس Fluxus الذي عرف مشاركة الفنان الكوري نام جون بايك والفنان الألماني فولف فوستيل. وكما هو الحال مع جميع الابتكارات الفنية، فإن الحصول على الاعتراف ليس نتيجة مضمونة مسبقا، فمنذ البدايات الأولى لفن الفيديو، كان على هذا الفن المُسْتَحْدَث أن يعد نفسه وفعالياته لاكتساب شرعيته.
4ـ افتتاح العرس الفني لفن الفيديو:
أرخى الحدثين البارزين المرتبطان بمدينة الدار البيضاء ظله على حفل الافتتاح كما أثره، ليلة الثلاثاء 7 نونبر 2023، بالمركب الثقافي مولاي رشيد، الحدث الأول احتفاء اليونسكو بمدينة الدار البيضاء واعتبارها من المدن الذكية، الحدث الثاني احتفاء كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، في الدورة 29 بمرور 3 عقود على تأسيس المهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء، ترأس الحفل السيد رئيس جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، السيد عامل عمالة مقاطعات مولاي رشيد، السيد نائب رئيس مجلس مدينة الدار البيضاء، وبعض ممثلي مؤسسات الشأن العام والمحلي، وضيوف المغرب من العالم، وطلبة الجامعات المغربية وعلى رأسهم طلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ـ الدار البيضاء.
لذا نعتبر محطة المهرجان احتفاء بحدثين متوازيين ينتصران للفنون ويحتفيان بمدينة الدار البيضاء، كعاصمة للفنون عموما والفنون الرقمية على وجه الخصوص، وهي مناسبة لاستعادة تاريخ الفنون بالدار البيضاء وتاريخ هذه التظاهرة والوقوف على مراحل تطورها كأفق انتظار للبرمجة النوعية والمقترحات الفنية للدورة 29 للمهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء، وذلك لتقييم المكانة التي تحتلها الفنون الرقمية اليوم في المشهد الفني بشكل عام، ومقاربة القضايا والتساؤلات التي تطرحها في مجال الفن المعاصر بشكل خاص، سيما وتؤشر المعطيات الرقمية والحركية المتطورة لها عبر العالم أن هذا الفن قد وصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الذي غزى كل المجالات، وأننا فعلا قد دشنا المرحلة الشرعية لهذا الفن من خلال منجزه وأثره وتغييره للمفاهيم والخواريزميات.
كانت كلمات الافتتاح تنويها وإشادة بالمهرجان الدولي لفن الفيديو وما أساسه ويؤسسه، إذ أعطيت الكلمة لمارك ميغسي، وللسيد عبد المجيد ساداتي إذ تم استحضار سنة الميلاد 1993، والأسماء المغربية والأجنبية التي آمنت بالصور والرؤية ودعمته فكرا وإبداعا وتخطيطا وتدبيرا، كما نوه باقي المتدخلون الذين يمثلون المنطقة والمدينة بهذا المهرجان الإضافة النوعية التي تكرم المدينة والفن وهي تنظر للمستقبل، في هذا المنحى جاءت كلمة الجهة المنظمة السيد رشيد الحضري عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، رئيس المهرجان، أحيت بسط أهداف المهرجان التي تتجاوز الحيز التواصلي الاستراتيجي لتشمل الجوانب العلمية والبيداغوجية والفنية، وتتلخص فيما يلي:
ـ تطوير الإبداع في فن الصورة والفيديو؛
ـ رفع مستوى الوعي لدى الشباب المغاربة والطلبة على وجه الخصوص حول مختلف أشكال التعبير الفني المعاصر؛
ـ الترويج للإبداع المغربي وطنيا ودوليا؛
ـ تشجيع اللقاءات وتبادل الخبرات بين الفنانين العالميين ونظراءهم المغاربة؛
ـ تشجيع التبادلات الوطنية والدولية بين الجامعات وتشجيع روابط الشراكة في مجال التكوين الفني والتقنيات الجديدة؛
ـ المساهمة في إغناء وتنشيط الحقل الثقافي بالمغرب وخاصة بمدينة الدار البيضاء.
ومن الفقرات المميزة في حفل الافتتاح، تقديم عرض فني مغربي، فكرة وإنجازا وانتاجا Fractal من إنتاج لوزين ومؤسسة ثريا وعبد العزيز التازي وبشراكة مع المهرجان الدولي لفن الفيديو بالدار البيضاء وإيبسون المغرب، قدم العرض برؤية عالمية تجاوب معها في حفل الافتتاح كل الحضور وفعاليات المهرجان، واعتبر حفل الافتتاح من خلاله بهيجا بفرجة رقمية، قابلت الرقص والفنون الرقمية وناقشت العلاقة بين الطبيعة والتكنولوجيا، وقد خلق العرض نقاشا بين المهتمين والفنانين واعتبر إبداعا يؤسس لمرحلة ما بعد المابينك، حيث اعتمد الأشكال والرسوم والتعبير الجسدي الذي يساير الحركة والإيقاع.
5ـ مواصلة العرس الفني للاحتفاء بفن الفيديو:
عنوان الاحتفاء هذه السنة « من شريط الفيديو إلى الذكاء الاصطناعي » التيمة التي ستترجم من خلال ورشات تكوينية وندوة قطاعية وتنصيبات وإبداعات فنية متنوعة، تتوزع على جغرافية مدينة الدار البيضاء الكبرى، من 7 إلى 11 نونبر 2023، انطلاقا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، والمدرسة العليا للفنون الجميلة، والمركب الثقافي مولاي رشيد، والمركب الثقافي لمعاريف، والمركز الثقافي الأمريكي، والمركز الثقافي الفرنسي، ومؤسسة سرفانتيس، وفندق ديوان الذي ستقام في المناظرة التي ستناقش التيمة وأبعادها ومرجعياتها وآفاقها المستقبلية.