في سياق ترتيب النهايات وإعادة صياغة الأولويات

في سياق ترتيب النهايات وإعادة صياغة الأولويات
شارك

     ذ/مصطفى المنوزي.

عندما نردد بأننا أبناء المقاومة الوطنية  وسلالة حركة التحرير الوطنية  ، فلا نقصد المعنى البيولوجي وحده ولكن المقصود بالعبارة كلنا المغاربة والمغربيات ، وهذا  يعني بأن كل ما أنجز من تحرر وانعتاق ومكتسبات حقوقية وسياسية مشتركة  ، مهما بلغ حجمه وتدرجه وكلفته ، تحول بالنسبة لنا  تعهدات بينية والتزامات تبادلية وتعاقدات مشتركة ، حول مصير  مستقبل وطننا  العزيز ، وهي بمثابة توافقات تقرر مصير الوطن   ، ولسنا نزايد على أحد ؛  فقد ترعرعنا في خضم شعارنا الخالد التحرير والوحدة والديموقراطية ، وهو بالنسبة لنا رسالة جيل لجيل  ، ننشده بعزيمة وإصرار ، من المهد إلى اللحد  ، في سياق استراتيجية النضال الديموقراطي  والذي لا يعني لنا سوى الانتقال من نظام فردي ( مطلق أو نسبي ) مستبد إلى نظام ديموقراطي  ، وبين نقطة البدء  وغاية المسار تراكمات كمية معمدة بإرادة تحقيق التغبير ( أو الإصلاح ) وفق تحولات نوعية ، ولأن عملية التحويل الكيفي  تتخذ أشكال انتقالات تشريعية  ومؤسستية  وضمن سياقات سياسية وأمنية واجتماعية ، وقد تحاول القوة الثالثة ، خلال المسلسل / العملية التحررية ، مقاومة التغيير وإجهاض التحول ، عبر التكيف عوض التحول ، وقد يساعدهم في ذلك الزعم والتذرع  بوجود إكراه بنيوي  وصعوبة  تحول دون  » دمقرطة  » نظام سياسي  بطبيعته وراثي . مما يطرح عقدة محاكاة وتمثل تجارب نادي الملكيات البرلمانية ، وعذرنا في ذلك  ضرورة الاستفادة من  وعاء التسويات التي جرت على امتداد تاريخ الصراع بين  النظام والمعارضة ، وهي تراكم من تمارين اتخذت شكل تعاقدات حول أشكال التداول التوافقي على تدبير السياسة العمومية ، ما عدا  الشؤون الخارجية والدينية والأمنية ، والتي تظل مجالات  محفوظة للملك  ، فشلت معظمها لعدم التزام صقور  النظام  ولعدم انخراط  كافة القوى  » المفترض  » أنها حية  ، ناهيك عن عدم الاستعداد لأداء الكلفة  ؛ خاصة بالنسبة للذين سبق وأن أدوا الثمن من حياتهم وراحتهم ووقتهم ومالهم ، وذلك على إثر انسداد الآفاق وشدة القمع المسمى سائلا  . وأمام تيه البوصلات  والعياء السياسي الذي أصاب النخب ، لم يعد في المقدور سوى ترتيب النهايات بأقل خسارة ؛ وعلى الخصوص وأننا جميعنا لم نحين أحلامنا  ولم نجود مناهج اشتغالنا ، وحان الوقت لكي  » نعرف أنفسنا  » حقيقة من خلال إنصاف بعضنا البعض والاعتراف بقدرات بعضنا البعض ، وبنفس القدر  نقيم ونقوم أعطابنا  ، التي صنعناها أو ورثناها  ؛ ونحدد مهامنا  وأدوارنا بكل مسؤولية وجدية وشفافية ، مع التمييز  فيما بين القبعات التي نلبسها تماهيا ولبسا  فيما بين الفعل الحقوقي والعمل الحزبي  ؛ فمن المفارقات البينة أن يهتم وبشكل موازي ومتزامن  ، على سبيل المثال لا الحصر ،   الحزب السياسي  بتقييم حصيلة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وهو موضوع حقوقي بامتياز  ، في حين تتولى المنظمة الحقوقية  التابعة له مقاربة  حق الشعوب الأخرى  ، غير المغربية ،  في تقرير مصيره  ،  وهو موضوع سياسي محض  ، مدرج لدى مجلس الأمن  وليس لدى مجلس حقوق الإنسان  ؛  وهي ظاهرة تتطلب منا  معالجة أسبابها في العلاقة مع  المشهد الحزبي  المترهل  ، مما يطرح سؤال التأهيل  الذاتي والموضوعي  ، بما يعنيه من إعادة ترتيب الاولويات الوطنية و الخاصة ( لدى الدولة ولدى الأحزاب السياسية ) ، فأغلب نقط جدول الأعمال الوطني  مطروحة من أعلى ،  ومفروضة جلها من الخارج والذي فرض علينا التخلف كجبرية سياسية وقدرية اقتصادية مقابل حمايات مفترضة لتهديد افتراضي .  من هنا تطرح أسئلة السيادة واستقلالية القرار  الحزبي عن القرار الدولتي ، واستقلالية هذا الأخير عن زمن التحولات الجيوسترتيجية  ، في وقت كنا نراهن فيه على تنامي إرادة الدولة المغربية في منحى فك الارتباط مع وظيفة /  لعب دور دركي المنطقة وجمركي الحدود  ، وذلك بخوض مغامرة الندية على المستوى الإقليمي  / المتوسطي والإفريقي  ، والموازي لتنامي الوعي  بأن مغرب اليوم ليس هو نفسه مغرب الأمس  ، سوسيولجيا  وسياسيا  وأمنيا ؛ وإن صار  مصدر القمع ليس من الدولة وعقلها الأمني فقط وإنما أيضا صار مصدر  الفوبيا يستمد مقوماته من الإرهاب الفكري الذي تمارسه الأحزاب والفعاليات السياسية والفكرية والثقافية على بعضها البعض  ، إلى درجة تماهي عمليات تصنيف المختلف معهم  بالخونة والكفار والعياشة ،  مما كرس ثقافة الانشقاق والانفصال والاستئصال والنزعة الإلحاقية أو الذيلية  ، وذلك خلافا وخرقا لأنجع قانون الجدلية الذي لا يعترف لشرعية صراع المتناقضات إلا داخل الوحدة ، والتي لا يمكن تصور التحول الكمي إلى التحول الكيفي إلا بالتراكم داخلها اي الوحدة كوعاء ، مما يراكم خصاصا على مستوى كيفية تدبير الاختلاف  وبالأحرى تدبير المشترك  العظيم كما ونوعا . ففي ظل هذا الترهيب الفكري يصعب تمثل الثقة والاطمئنان لأي تواصل أو تفاوض  أو تفاعل مع المبادرات  لأنه لا تعاقد ولا توافق ( ولو في إطار تبادل المصالح  وتوزيع المنافع )  في غياب الوضوح والثقة ،  وكلاهما جسر ضروري من أجل العيور الآمن نحو الديموقراطية كغاية  وليس فقط كوسيلة ( عددية )  براغماتية  ؛  وفي آخر التحليل يبدو أن الأولوية ينبغي أن تكون  للدولة والوطن بالتحصين والحماية، أما النظام فلن يغترف  حمايته إلا من دولة المجتمع وقواها الحية ، وبذلك وجب ضمان الانتقال الأمني في العلاقة مع العقيدة ، لأجل إنجاح أي انتقال منشود !

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *