وداعا حمادي عمور، الممثل المغربي
عبد الحميد الغرباوي
ثلاثة أجيال، عاشت وواكبت تجربته الفنية.
نحن الجيل الثاني، من مواليد الخمسينات عشنا تمثيلياته الإذاعية، صحبة زمرة من الممثلين والممثلات، نجلس أمام المذياع نتابع منصتين باهتمام وسعادة لحواراته، ولصوته ذي اللكنة الفاسية مع باقي أفراد الفرقة.
كانوا مصدر سعادة، وسببا في تجمع الأسرة حول المذياع تتابع أحداث التمثيلية.
لم تكن جل الأسر تذهب إلى المسرح، لأنه لا يندرج ضمن تقاليدها وعاداتها، لم يكن المسرح أسلوبا أو نشاطا في الحياة تزاوله بين الحين والحين، فقط المذياع كان الوسيلة الوحيدة والأقرب إليها لتتبع أحداث مسرحية.
الحديث هنا عن الفنان صديق الأسر وأنيسها الراحل حمادي عمور (مواليد 1931 مدينة فاس)، ذي الابتسامة الشفافة الهادئة.
تاريخه في التمثيل يعود إلى عام 1948م لما وقف على خشبة المسرح يافعا لم يتجاوز عمره سبعة عشر عاما.
و في نفس العام أسس في مدينة الدار البيضاء فرقة مسرحية سماها « الرشاد المسرحي »، وقدم في مطلع تلك السنة عملاً مسرحياً من تأليفه عنوانه « ضربة قدر ». وفي بداية الخمسينات وتحديدا عام 1951 أسس فرقة جديدة، حملت اسم « المنار ».
وسيرا على نهج الكثير من الفنانين والفنانات من كل الأقطار العربية، انتقل إلى مصر عاصمة الفن و مقر المعاهد والمدارس الفنية الكبرى لدراسة الفن المسرحي. غير أن قيام ثورة الضباط الأحرار عام 1952حالت دون استكماله دراسته، فعاد إلى المغرب، ليلتحق بالإذاعة ويشارك في تأليف وإخراج وتمثيل عدد من التمثيليات الإذاعية.
ستدخل الشاشة الصغيرة البيوت ، بعد ذلك، منافسة بشراسة المذياع؛ بدأت القناة الوطنية عملية الإرسال يوم 3 مارس 1962 وكانت بالأبيض والأسود، وسيتعرف المغاربة على وجوه الممثلين والممثلات الذين كانوا يؤنسونهم ويؤثثون سهراتهم بأصواتهم وحواراتهم لسنوات، ولم يشرع في استعمال الألوان إلا سنة 1972م، وكان وجه فناننا الراحل من أبرزها وأحبها إلى القلوب.
لن تستقر تجربة التمثيل والتشخيص لدى الراحل في الخشبة واستوديوهات الإذاعة، بل ستتجاوزها إلى السينما حيث سيدخل الراحل حمادي عمور مجال السينما عام 1953 ويشارك في الفيلم المصري « دكتور بالعافية » للمخرج يوسف معلوف، بطولة كمال الشناوي وأميرة أمير إلى جانب ممثلين مغاربة آخرين .
و وطنيا كان له حضور في العديد من الأفلام نذكر منها: « إبراهيم ياش » لنبيل لحلو، و »دموع الندم » لحسن المفتي، و فيلم « كيد النساء » لفريدة بليزيد.
يقول الشاعر عبد الرحيم الخصار في ورقة خص بها حياة وتجربة الرحل حمادي عمور، نُشرت في « أندبندنت عربية ».
« المؤلم في حياة حمادي عمور، هو أنه لم ينل أي مجد مادي، على الرغم من غزارة أعماله. وقد سبق لسعيد الناصري أن صرح بأن عمور قد أحرق العديد من النصوص الفنية التي ألفها بسبب إحساسه بالتهميش. عاش الراحل سنواته الأخيرة مريضاً في بيت ابنته، وكان يطلب من أبنائه وأقربائه ألا يشيعوا خبر مرضه الذي دام سبع سنوات، رغبةً منه في أن يحتفظ المغاربة بصورة حمادي عمور المرح، لا المريض. وسيظل المغاربة يحتفظون بالفعل بصورة جميلة له، فهو الكوميدي الأنيق، المعروف بخفة الدم والقريب إلى الناس. وهو في الآن ذاته الصوت المألوف، والوجه الذي شخص بعمق وإتقان الرجل المغربي في أدوار عديدة ومتحولة. »
هكذا يغادرنا إلى دار البقاء، هذا الفنان المغربي الأصيل، حمادي عمور عن عمر يناهز 90 عاماً.