يمرون من هنا، ثم يقطنون ضوء أبديا في الذاكرة
د. سعيد ألعنزي تاشفين
لكنهم يقطنون هذه الأرض، ويكتبون اسمهم على كفّ الجغرافيا العابرة فجوات المساحات المثخنة بعبق التاريخ. يُدغدغون أواصر الدّهشة و يقترحون للانتباه وعدا على شرف اليقين. وهم هاهنا يتوضؤون بوصال الوشائج ما بين أزرقٍ بمحاذاة المتوسطي ، نحو الأخضر بسهول أرض » الأزهار » الممانعة ضد التحريف، إلى الأصفر على طول صحاري الدفء الجامعة نبضات الطوارق العظام. وتجدهم يهدون فوج الزهيرات ضحكة نوميدية ملاحمها الحياة، وهم من آل الحياة .
إنهم الصّحاب الذين يُلملمون شظايا التمزق تحت دهاليز البوح، ويبدّدون الظلمات و الصّحاب يُعطرون الدروب الفاصلة بين بورغواطة وأوربة شمالا نحو صنهاجة التخوم، والهوية عندهم بيدر الهمس الرحيم الذي يسجد عنده كل جهر بالتزوير، وميمنة الشذرات مغتسل الطّيف بارد و شراب للإلهام الذي أربك نخوة هيرودوت وأكزينوفون ، وحرّك حبر سترابون والهاليكارناسي، واستنزف حلم شارل أندري جوليان. وهي وحيُ على بارقة الوصل أرّخ له شيشونغ في تمازغا الملوك مذ كان التاريخ على خطى الشوق واجفة لا تستقيم إلا بحضرتهم، وصحوة النشيد كسيحة لا تشهق مستبدة بالنجاة إلاّ بخطو الصّحاب على شرف » إيض سكّاس » الذي تزيّنه ما تُنبت الأرض من فومها و بصلها و عدسها على منوال سبع انتماءات تتقدمهن عطايا النخل رُطبا جنيّا .
كانت الذكرى، ولا تزال، مُفعمة بالأمس الحيّ معهم في كل تفاصيل اليومي، إذ بالذكرى تُبعث الروح في جسد الذكرى، بحُلم الأوبة، بهمّة التاريخ، بصولجان المُمانعة ضد انزياحات المسح المُمنهج المسنود، ويقتحمها خاطر الزهر، وتتلّبسها المحبة الأولى، ويُرتبها يقين تاشفين عظيم صنهاجة من أرض الله هنا ب « أمور أكوش » ، نحو تخوم شنقيظ وأودغست. وهنا نوميديا وموريتانيا الطنجية وزينب النفزاوية وبورغواطة وكنزة الأورابية ملاحم شعب يقاوم النسيان؛ وهي أجمل الحكايات التي فاح عطرها على امتداد تمازغا أرض السلام، وأجمل الأناشيد التي رافقت رحلات الفرسان من واحة سِوى إلى طنجيس على طول أوصال الأرض الطاهرة بالسخاء .
و تمازغا هذه هي الزّهر عندما يجرّب أن يكون زهرَا، وهي النّشيد على نغمات الغيم، وهي عُمق الأرض التي تفوح منها نكهة تمغرابيت كسديم مُمتد على باحة تيموزغا وسام التراب المفعم بالنّحن كأهالي تسكنهم هذه الأرض وهم يلبسونها، ويمانعون ضد الخراب .