بعض معيقات التغيير من خلال فحص اختلالات التواصل النقدي

بعض معيقات التغيير من خلال فحص اختلالات التواصل النقدي
شارك

ذ/ مصطفى المنوزي

لو قمنا بإحصاء عدد الغاضبين على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي  سنتوصل إلى أنه أكثر من نصف المجتمع غير راضين عما يجري ، ومن بينهم عشرة في المائة على الأقل واعون بالأسباب وبمن المسؤول ، ومن بين هؤلاء من تجاوز مرحلة الوصف والتشخيص إلى مرحلة التفكير في عوامل التغيير  ، بل هناك من حاول وخاطر وجرب الخوض في التغيير  بجميع الوسائل القانونية والسلمية أو العنيفة حتى .وهو موضوع يطول بسط معالمه ووقائعه ، ويكفي الإشارة إلى الذاكرة  وما تشهد به من وقائع وضمن مواقع ؛ فحديثنا اليوم يمكن أن نركز فيه على معيقات التغيير الذاتية ، أما المعيقات الموضوعية فيمكن الاسترشاد بسجل سنوات الرصاص وما نتج عنها في سياق ربط النتائج بالأسباب . واللحظة تحضرني إحدى الظواهر المرتبطة أساسا بعدم تمثل الحق في الاختلاف، وهذا مرتبط بأخلاقيات الحوار  إذا هو حصل بين الأطراف، أو بثقافة التجاهل وهي أقسى وأخطر   لارتباطها بنزعة الاستئصال والعدمية. ولربما الأمر يتعلق أيضا بعدم استيعاب قواعد الصراع وتدبير النزاع ، حيث يتماهى الخلاف مع الاختلاف ، والحال أن التناقض التناحري  يستدعي استعمال وسائل وإمكانيات أكثر شراسة وصدامية من تلك المستعملة – افتراضا – وهو موضوع طويل و عريض لا يسع المقام  للتفصيل فيه ، لأن المخاطب في المقال الحال يقع في منزلة بين منزلتين ، فلا هو عدمي ولا هو مكترث ، بل مجرد متراخ تجاه المقاربة ، مقاربة التغيير المتبناة ، والتي يفترض في المؤمنين بها في حدود  » الحد الأدنى المشترك  » أو السقف الفكري الممكن تحقيقه وفقا لسياق الظرفية ومدى نضج شروط التغيير  والذي قد يكون انتقالا من وضع إلى بديل عنه بمجرد تبني مطلب  الإصلاح كسيرورة ، أو يقتضي تحويلا كميا ونوعيا كصيرورة . في هذه المقالة سوف أكتفي بالتركيز على عنصر مهم يفتح الباب أمام  إمكانية تفكيك أحد أهم  المعيقات ألا وهي سوء التواصل  بين نفس فصيلة تلك الدائرة ( حتى لا نقول المربع ) اي دائرة الحد الأدنى المشترك الممكن ، وداخل نفس حلقة التواصل  يحصل خلل ،  وهو أنه رغم حصول التواصل في سياق الإخبار وتبادل المعلومات او الإرشاد إلى مصادرها ومراجع المعرفة ؛ فإن التفاعل الفكري لا يحصل بتاتا ، بمعناه التواصل النقدي وفق منهجية ( الطرح والنقيض والتركيب ) ، وبالتالي يتم إجهاض عملية تقوية أواصر تقريب الهوة ، لأن عدم التفاعل النقدي يفوت الفرصة على مراكمة قوة الفكر أو الأفكار في وعاء مشترك  ، حيث تمكين المختلف حوله من  مزيد من الاحتكاك والمقارعة والمحاججة ، لكي يحصل التطوير ثم التحويل . فكم من مقالات ودراسات تلامس الواقع من زوايا فكرية مختلفة ، ودون التفاعل معها نقديا تظل كصيحة في واد ، من هنا وجب التفكير في تأهيل المقاربة التفاعلية النقدية وذلك بالعمل على الانتقال من رغبة التعبير  إلى إرادة التقدير من أجل التفكير في القدرة على التغيير . والدليل على هذه الإعاقة الذاتية  أن بعض مثقفينا متعالون ويرفضون القراءة حتى لنظرائهم  بعلة رفض الاكتفاء عن  تلقي الدروس من غيرهم ، خاصة إذا كانت مرتبطة بتحليل الوقائع أو الخطاب حتى !

أما ثاني المعيقات ذات الصلة بسياق الحديث  هو الخوف من الغلط وبذلك يفضل المرء تفعيل قاعدة  » كم من حاجة قضيناها بتركها  »  مما يكرس انزواء كفاءات كثيرة وانعزالها عن الأدوار الاجتماعية والفكرية كحلقة مفقودة في مسلسل التغيير  كصيرورة .

طبعا هناك معيقات أخرى ذات الصلة بمحور التواصل النقدي ، سوف نتطرق إليها تباعا  بعد حصول تفاعل مع ما دون ، وفي ذلك تجريب وتمرين واختبار لمدى صحة بعض ما سجلناه من خلل في التواصل .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *