ملاحظات في مأزق التجلّي: المدرسة / المدرس / المتعلم
سعيد ألعنزي تاشفين
على الأساتذة ، في كل مستويات التدريس ، معلمين في الابتدائي ، أو أساتذة بالثانويات و بالكليات ، ألا يقسوا على المتعلمين . فالأستاذ لا يملك كل المعرفة ، بل يملك قليلا منها ؛ والمعرفة أضحت في متناول الجميع بفضل نجاح الثورة التكنو – معلوماتية و منها الهاتف الذكي الذي يوجد في جيوب كل المتعلمين. وعليه حري بالمدرسين ألا يقعوا ضحايا لعقد تضخم الذات؛ فأنت يا أستاذ موظف بسيط جدا يقوم بمهام جليلة جدا. قوّتك في تواضعك لا في الغرور، في تفهّمك لآلام المتعلمين لا في نهج البيروقراطية الفجة باسم » لمعقول « . التعليم رسالة و فن و » صْنعة » وليست مهنة جافة تقوم على التسلط بمنطق التلذذ بممارسة العقاب باسم سلطة الامتحانات وتصنيف الذكاءات ( الفروض والمراقبة المستمرة ). فلا تكن يا أستاذ كائنا بيروقراطيا لا يتقن غير الضبط والتحكم باسم تملك سلطة التقويم وممارستها بقهر و تذكر أن أحسن نظام تعليمي في العالم يوجد بفنلندا حيث تمنع الأعمال المنزلية على التلاميذ، وحيث لا يدرس التلميذ إلا أقل من 14 ساعة في الأسبوع، و حيث يسمح بالغناء والكوتشينغ قبل بداية الحصة الصباحية، وحيث في كل مدرسة ممرض نفسي و مساعد اجتماعي ، على نقيض ما عند الأنظمة التعليمية المتخلفة من انحرافات باسم الصرامة لدرجة أن الامتحانات بهذه الأنظمة تتم بممارسة كل أشكال ما أسميه ب » القهر البيداغوجي » من مضاعفة المراقبة أيام الامتحان و استعمال السكانير واستحضار رجال الدرك والأمن إلى المؤسسات التي لا ينقصها غير السماح لأعوان السلطة ( شيوخ و مقدمين ) بالتواجد بقاعات الامتحان لمزيد من الضبط !!
في الأنظمة التعليمية المبنية على القهر في لحظة الامتحان يصبح الأستاذ مراقبا ، والمدير رئيسا للمركز، والموجه أو المفتش ملاحظا، وتتعدد اللجان، ويعتمد السكانير لضبط أدوات الغش وتصبح قاعات الاختبار مخيفة ومثيرة للقلق لا للتركيز !! وكل هذه الإجراءات الرقابية تخفي فشلا مجتمعيا جماعيا في خلق نظام تقويمي ناجح في قياس كفايات المتعلمين بما يؤهلهم ليكونوا مواطنين صالحين لا تلاميذ متفوقين بمقياس التعسف النمطي . في أنظمة القهر البيداغوجي تصبح المفاهيم كلها ذات حمولة سلطوية من طينة المفتش ( التفتيش !! ) بدل المؤطر البيداغوجي، والفرض المحروس على شكل الحرية المحروسة !! بدل التمرين البيداغوجي، ويمنع استعمال الدفتر والكتاب المدرسي في لحظة الامتحان !! بدل يسمح باستعمال كل المراجع لبناء جواب معرفي قائم على الذكاءات المتعددة وعلى قاعدة البيداغوجيا الفارقية . هذه فقط ملاحظات مختصرة عن أنظمة القهر البيداغوجي، ولي عودة لتعميق القول في هذا النوع من الأنظمة .
و اؤكد أن النجاح وسيلة لبلوغ مواطن صالح ومندمج بالمواصفات الناجعة ، وليس غاية ؛ بدليل أن من المهندسين ومن المحامين و من الأطباء ومن الأساتذة ، ومن غيرهم من الموظفين ، كثير من الفاشلين في حياتهم اليومية وبأعداد هائلة ، رغم » النجاح » المهني في تولي وظيفة كمرادف للنجاح بالمنطق النمطي المعتمد . المدرسة ، سيداتي و سادتي ، وسيلة لتكوين الشعب ( شعب متحضر – منفتح – كتخلق دون تشنج ، و ليست غاية لتصنيف المتعلمين على ضوء نمطيات الذكاء بمقاييس الرياضيات والفيزياء، وبأدوات قياس نمطية ، كما تذهب إلى ذلك ماكينة التوجه المقاولاتي الذي يدفع الأنظمة التعليمية ببلدان الجنوب إلى تفريخ الناجحين بامتياز !! وفق شروط التحكم في إنتاج الكوادر لخدمة حاجيات الرأسمال والمقاولة ومن دون أي منسوب ثقافي – حضاري – هوياتي ممتد إلى الذكاءات المنفلتة عن سياجات القهر. وعليه أجدد الدعوة إلى نساء و رجال التعليم : أنت لا تملك الحقيقة العلمية أستاذي لمجرد كونك تملك قلما أحمرا ، و أنت لا تملك المعرفة لأن المجتمع ، والمتعلمين ضمنه، يعيش في زمن غوغل و السماوات المفتوحة و الفيض المعلوماتي الكاسح والسيول المعلوماتية الجارفة ، وأنت لا تملك حق تصنيف المتعلمين إلى مجتهدين وكسلاء لأن نظام التقويم مؤسس بنيويا على منطق الضبط والقهر والتحكم لا على منطق تشجيع الإبداع و تحفيز ملكات التفكير ؛ والكسول كسول فقط بمنطق التحكم و القهر كما ترتضيه نمطيات التدريس والتقويم ، كما أن المتفوق متفوق فقط من وجهة نظر التوافق المجتمعي باسم السلطة حول الذكاء النمطي وبمحددات متعسفة . والأخطر أنه لا يجب ادعاء امتلاك اليقين و الحقيقة المطلقة لأن التلميذ بنية مركبة حسية – حركية – نفسية – وجدانية – اجتماعية – أسرية – مجتمعية منفتحة على كل التغيرات في كل وقت و حين لكونه متحول و متجدد باستمرار تحت دواعي ذاتية و موضوعية بعيدا عن التصينف القهري والأرتوذوكسي النمطي ، و عليه ربما نحتاج جميعا ، مدرسين و متعلمين ، إلى من يقوّمنا بشكل سليم و بمنطق مختلف ؛ و ربما منا من لا يصلح لممارسة المهنة التي يتم تبخيسها عندما يتم تحويل الأستاذ إلى حِرفي يمارس » تعطّاشت » أو إلى ميكانيكي يشتغل بنمطية جافة ، أو إلى مندوب الحرية المحروسة عندما يتم تحويل التقويم إلى قهر تسلطي يحاصر الإبداع و يحول المسؤولية المعنوية إلى قهر بيداغوجي على أشلاء جيل كامل يتم إخضاعه لماكينة التسلط باسم المدرسة / الامتحان / النزاهة / تكافؤ الفرص .. و كلها مفاهيم علميا مسمومة رغم ما يظهر منها من شكلانيات أخلاقوية خادعة و مؤْدية و مفضية إلى كثير من الانحرافات .
- ملحوظة : الاحترام مطلق واجب حيال كل نساء و رجال التعليم ، وحيال الميكانيكي و كل المهن دون تبخيس .