هل افريقيا للافارقة ام افريقيا للإمبريالية الجديدة؟
علال بنور
ان طرح مثل هذا السؤال هو قديم وجديد، لكن جدته لها راهنية وظرف اقتصادي وسياسي، يرتبط اليوم بتداعيات وباء كورونا والتي تلتها مباشرة الحرب الروسية / الأوكرانية، هاتين الازمتين ادخلتا اوربا الى ازمة اقتصادية، التي جعلت الساسة الاوربيون في تحالفهم مع الرأسمالية للمزيد من الهيمنة على الموارد الطبيعية للقارة الافريقية.
هذه القارة التي ظلت منذ خروج الاستعمار العسكري واخذ استقلالها الشكلي ،الذي يفسر ببقاء الاستعمار الاقتصادي والسياسي المحتضن للقيادات السياسية الافريقية وحمايتهم، للحفاظ على الكراسي السياسية في الحكم خدمة للإمبريالية ، مقابل تسهيل للإمبريالية استغلال الموارد الطبيعية الغنية بالقارة الافريقية ،اليوم ستزداد معاناة الافارقة اكثر مما مضى من الهيمنة الامبريالية على راسها اوربا خاصة فرنسا ، ورغم حركات نضال الافارقة للتخلص من الاستعمار القديم وتبعاته ،فان القارة الافريقية اليوم ، ستدخل الى مرحلة تتمة للمراحل السابقة ،لكنها ستكون اكثر عنفا واستغلالا لتظل إفريقيا كباقي دول الجنوب غير قادرة على التخلص من القوى الإمبريالية، بسبب السيطرة الاقتصادية والسياسية وإعاقة التنمية وعدم الاستقرار، والتناحر بين القوميات المختلفة والديون والآثار السلبية لنيو لبرالية .
ان الاستعمار القديم ،جعل افريقيا تحت وصايته المباشرة من اجل الحفاض على امتيازاته في استغلال خيرات دول افريقيا ،فالسياسة الاقتصادية الامبريالية، تجعل الافارقة في حاجة اليها ، لذلك صمم المستعمر خريطة جديدة للحدود السياسية بين الدول الافريقية ،فقد هندس للنزعات القومية والطائفية بين الدول ،مثل تقسيم السودان الى جنوب وشمال وخلق توترات بالصومال وساحل العاج ،وغيرها من الدول الافريقية التي توجد تحت الاستغلال ، وكان من ضمن الترتيبات الامبريالية ،خلق شركات متعددة الجنسيات لتسليمها المسؤوليات الاقتصادية ،في كل من جنوب إفريقيا وبتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق وغيرها .
ومن اخطر ما يميز العلاقات الأوربية الإفريقية اليوم ،هي الهيمنة الاقتصادية والوصاية السياسية ، خاصة انها تتوفر بغناها في الموارد الطبيعية السطحية والباطنية ،وتنوعها المناخي وما تتمتع به من خصائص الموقع الاستراتيجي في قارات العالم ، وما تحتفظ به بنحو 3% من احتياطي البترول في العالم، و %5من احتياطي الغاز، ونحو ثلث احتياطي اليورانيوم و 70 % من الفسفور و 55 % من الذهب و 57 % من المنغنيزيوم و 42 % من الكوبالت ،الى غيرها من الثروات الطبيعية ، إضافة الى الشبكة المهمة من المياه السطحية والمساحات الصالحة للزراعة بما فيها الغابات ، مثلا السودان لها من المساحة الصالحة للفلاحة ،اذا ما استغلت يمكن ان تغذي كل شعوب افريقيا ، وللأسف لا تتعامل الدول الإفريقية مع بعضها البعض في اطار التعاون بالصورة المطلوبة ،ويصنف دخل الفرد في إفريقيا بصفة غالبة ضمن الفئة المنخفضة عالمياً ، وتعتمد أغلب الدول على القروض الخارجية ،التي أدت إلى رهن الإرادة السياسية بيد الامبريالية الجديدة ،وقد ظلت أغلب الموارد الإفريقية معطلة ،لا تستطيع كثير من الدول استغلالها ،لأسباب تتمثل في تحالف الساسة الافارقة مع الامبريالية عبر شركاتها .
لذلك بقيت القارة غير قادرة على استغلال مواردها لخلق الرفاهية لشعوبها، بسبب فرض المستعمر العديد من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي جعلت القارة تابعة له، ومن أخطر الإجراءات، نزيف الديون ذات الشروط المذلة والفوائد المضاعفة، وتشير الدراسات التي قامت بها لجنة إلغاء ديون دول الجنوب (CADTM)، أن الفقر والتهميش الذي تعانيه شعوب إفريقيا، ناتج عن إثقالها بالمديونية ونهب ثرواتها من طرف التحالف الامبريالي مع الشركات الاقتصادية.
لقد أدخلت الامبريالية الجديدة القارة الافريقية ، عبر سياسات المنظمات الدولية ، الى نفق مغلق تحاصره الحروب الاهلية والفقر والتجارة في البشر والمنظمات الإرهابية المأجورة وهجرة الشباب، كقوة منتجة نحو دول شمال افريقيا على أساس العبور الى اوربا، عبر ما يسمى الهجرة السرية، وعند التمعن جيدا في الوضع الاجتماعي لشعوب افريقيا جنوب الصحراء الكبرى ،نجد اشكال التخلف التي توحد افريقيا ،تستغلها الامبريالية الجديدة لخلق التفرقة بين دول افريقيا ،بمعنى تمزيق جديد للقارة في نطاقات سياسية ضيقة ،باستخدام ما يسمى بالشرعية الدولية ،التي ما هي الا الشرعية الامبريالية.
يؤكد خبراء التنمية على قائمتهم المفكر سمير امين واندر كندر فرانك ، إن الحكومات الإفريقية تسير وفق قرارات الدوائر المالية العالمية التي تساهم في تعميق التبعية ، عن طريق سياسات نيو ليبرالية ،و تزيد من حدة الفقر والمجاعة وسوء التغذية وانتشار الإمراض وإشعال الحروب ،مما جعل إفريقيا عبارة عن احواض لأغنياء العالم ،الشيء الذي فقدها سيادتها وعجزها على استغلال ثرواتها الطبيعية الهائلة ، تضم افريقيا جنوب الصحراء الكبرى 49 دولة بساكنة تفوق 1,1 مليار نسمة ذات قاعدة هرمية شابة ، تشكل قوة منتجة عاطلة ،وتحتل موقعا استراتيجيا هاما بين قارات العالم ، جعلها خط الاستواء، تضم العديد من المناخات التي تساهم في تعدد المنتوجات الفلاحية ،التي توجد أنواعها في كل انحاء دول العالم ،اضافة الى الموارد المعدنية .
تعيش شعوب افريقيا جنوب الصحراء الكبرى ،الفقر والحروب الاهلية والامراض الفتاكة كالكوليرا والايدز وغيرها من الامراض، تزيد من معاناة شعوب افريقيا ، فكل الشعارات التي يروج لها ،من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها وكل الأصوات الامبريالية التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان ، هي شعارات لا قيمة لها ،ما دامت ثروات إفريقيا بيد الشركات العملاقية الأمريكية والأوربية ،ومادامت المديونية مرتفعة تعيق التنمية الحقيقية، ومادامت سيادة الشعوب الإفريقية في أيادي اوليكارشية من حكام افريقيا ،فلا يمكن الحديث عن تنمية ولا عن عدالة اجتماعية ولا عن السلم الاجتماعي.
فالعلاقات الإفريقية الأوربية منذ الاستعمار العسكري خلال القرن 19م الى اليوم، تقوم على عدم التكافؤ، فثرواتها تشكل خزانا تحت استغلال الامبريالية الجديدة، التي توظف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونظام القروض، ثم الاتفاقيات الاقتصادية المختلفة، من اخطرها الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة المعروفة باسم (الجات)، حيث تمخضت عنها المنظمة العالمية للتجارة(OMC)، خدمة لمصالح الرأسمال الأجنبي.
ومن أخطر أوجه الاستغلال من قبل الرأسمال العالمي خاصة الأوروبي، الهيمنة المطلقة لشركات متعددة الجنسيات، التي تتحكم في السياسة والاقتصاد الافريقي، بل أكثر من ذلك، التدخل العسكري المباشر، باسم ما يسمى » الحلف الأطلسي » أو « قوات حفظ السلام » لحراسة مصالح الامبريالية، وكان منح الاستقلال الشكلي للمحميات والمستعمرات بعد المواجهات الدامية، وسيلة تخدم هدفا مزدوجا، هو إيجاد التواصل وإنشاء علاقة مستقرة ظاهرها الود والتفاهم وتكريس التبعية، لا ينبغي منها سوى حراسة مصالح الرأسمال الأجنبي.
اليوم، تعرض الحركة الامبريالية الجديدة ،القارة الافريقية الى استنزاف خيراتها ،وخلق حروب أهلية مع خلق نويات للأصوليات الدينية ،وجعلها سوقا لاحتكار الاستثمارات مع ما يتبعها من تدمير البيئة ،فالشعار الذي استعاره الساسة الافارقة (افريقيا للافارقة ) بمباركة الامبريالية ،من سياسيي الولايات المتحدة الامريكية ، القائل أمريكا للأمريكان ، يبقى شعارا كاذبا ،بل الحقيقة هي افريقيا للإمبريالية الاوربية خاصة فرنسا ،التي يتبعا اكثر من ثلثي دول افريقيا ، ففرنسا اليوم ،تحافظ على مستعمراتها القديمة والتي هندست خرائطها في افريقيا ، حيث وصل عدد مستعمراتها الى 14 دولة افريقية .