على الهامش .

على الهامش .
شارك

المبدعة نرجس ريشة

أتعلمُ أنّي أخذت لك معي قطعةً من الشمس، وقنّينةً من عطر البحر التي تحب، وتلك الرواية الوحيدة التي لم نقرأ معا. فلا بائع الكتب العتيقة في حيّك يملكها، ولا صديقَ غيري يهديك إياها.

لم أخبرك أن نهايتها تشبه نهاية فنجان قهوتك أمامي: طافحٌ بالموت، صاقع كساعات الانتظار الطويل، قانٍ كالغضب المُستعر في جسدي.

مرّتِ القطارات هادرةً، تسْتَمْطِرُ أسئلتي  والاحتمالات. قطارٌ… اثنان… ثلاثُ قطارات… عشرٌ من كل اتجاه، وبعدها لم أعد أسمع غير اصطكاك دمي المتسارع إلى وجنتيّ.

أحدُهم كان يراقبني و أنا أراقب المدخل، أو هكذا خُيِّلَ إليّ. حضورٌ سافرٌ يغتال عالمي الصغير، يقيّدني.

كان يبتسم كلما نظرت في اتجاهِهِ – الذي لا أعلم -، يُعيد ترتيب جلسته كلّما نظرت إلى ساعتي، يتلصّصُ على رسائلي الواردة ويُحصي خيباتي، ينظر مثلي إلى الساعة الحائطية وإلى العابرين، ثم ينظر إليّ.

مئاتُ العابرين مثلي عالقون بين زمنين ومكانين، يُشبهون حكاياتهم المزدحمة على رَكْحٍ بلا ستائر تحجب سَوْءَةَ انتظاراتهم الطّافحة. مئات العابرين يركبون الغيم  ويترقّبون الهُطول.

أكره الأصوات العالية والأماكنَ المَحشُوّة بأُناسٍ لا أعرفهم، أكره العقارب حين تخبرني أنّي تخطّيت هامش الانتظار، أكره أن يستبيح أحدهم دائرة تفكيري

لا لِشيء إلا لأنّني تجاوزت خط الزمن دون أن ألْمس فنجان القهوة أمامي، فأخبِرني كيف لا أجد لك مكانا وسط هذا اللاّحب؟!

أفتح روايتي الغافية على الطاولة. صفحاتها تتنفَّسُ عطري . لم أفهم قبلُ حين كان يُقالُ لي أنّ لي عطرا يميِّزُني. لم أنتبِه إلى أن ذُقتهُ بصدر الغريب الذي لا يأتي .

أعيدُ الرواية إلى حقيبة يدي فيرسل « أحدهُم » تنهيدة ارتياحٍ عبر ذبذبات المكان وهو يراقبني أُرتّب الكحل في عينيّ وأرسم ابتسامة قرمزية على شفتيّ، ثم أغادر.

« سنعودُ بعد غصّتَيْن »، همستُها وسابقتُ الزّمن إلى غير المكان.

خرجتُ من ضباب إلى غيم، يجُرُّني الرّقص إلى حيثُ القدر. مَوْلَوِيّةٌ تُطهّر دَرنَ اللحظات القليلة الطويلة الماضي… »سنعود بعد غصّتين »…

وعُدتُ، وعادتِ القطارات والأصوات مُرتّبةً من حولي. وما عاد الانتظار، ولا عاد عطري غريبا عنّي، ولا الساعة الحائطيّة عادت أبطأ من نبضي. ما عاد فنجان قهوتك البارد على الطاولة، ولا ذاك الذي كان يراقبني أراقب المدخل، ما عدت أراقب المدخل. كنتُ « أنا »، فقط أنا في كامل صيفي، أرتقي السّلّم على وقع كعبيَ العالي، ورسائلَ واردة… من مجهول.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *