الأمن الغذائي بالمغرب وتحدياته على الاختيارات الوطنية

الأمن الغذائي بالمغرب وتحدياته على الاختيارات الوطنية
شارك

يونس وانعيمي

أخبرت المجموعة المستثمرة كريستال لوسيور- بمساهميها الأجانب- الرأي العام المغربي، من خلال تصريح السيد مصطفى الحسيني، مدير عام مساعد بالمجموعة، أنها وضعت مخططا استراتيجيا يهدف إلى زراعة حوالي 8000 هكتار من البذور الزيتية بالمغرب.

حيث قال المسؤول بالمجموعة حرفيا أنه :  » لتقليص التبعية للخارج، قررت مجموعة لوسيور-كريسطال زراعة عشرات الآلاف من الهكتارات من هذه البذور ».

مضيفا في عرضه (الذي تناولته جريدة الأحداث المغربية في صفحتها الاقتصادية من عدد يوم الاربعاء ٣١ غشت ٢٠٢٢) أن المجموعة ستقوم بدعم الفلاحين المغاربة وزيادة استثماراتها الزراعية في مجال البذور الزيتية, في ظرفية تتميز بانحسار مقلق لهذا النوع من المزروعات بالمغرب، مما سبب للمجموعة في تبعية لموردين دوليين تحكموا في القيمة السوقية لهذه المنتجات الغذائية ورفعوا بشكل غير مسبوق من أثمنتها المرجعية.

الأسئلة المقلقة هنا هي : كيف ستكون آلاف هكتارات من أراضي المغاربة رهينة لاختيارات إنتاجية وتسويقية لمجموعة أجنبية مستثمرة؟ و اين هي إذن السيادة الزراعية للدولة واين دورها في تملك قطاع فلاحي استراتيجي وهو انتاج الزيوت ؟ثم كيف لشركة أجنبية مستثمرة في البلاد أن تكون يقظة حيال معضلة التبعية الإنتاجية، في الوقت الذي لم تطرح الدولة المغربية خطورة هذه التبعية الغذائية للخارج ولهذه المجموعات الإنتاجية الأجنبية لتهرب من بين أيديها سلطة قرار استراتيجي بهذا الحجم؟

ثم اين هي الرؤية والأداء الاستراتيجيين للمخطط الحكومي الأخضر الذي كلف ملايير الدراهم من ميزانية الدولة والذي عمل بالنقيض في اتجاه تقليص مساحات الزراعات الزيتية وتقليص مساحات الزراعات المستجيبة مع المقومات البيئية والطاقية والحيوية للبلاد واستعاضة كل ذلك بخطط زراعية بديلة، جد مكلفة مائيا وقليلة الوقع على تحقيق الاكتفاء الوطني الزراعي وتقليص التبعية الزراعية للخارج حتى ولو كان المغرب بلدا فلاحيا بامتياز؟

هل تناسينا الوقع الأمني الغذائي على استتباب الأمن السيادي للدول، خصوصا، والحال حالنا، تلك الدول المتعرضة لضيق وهجوم جيوسياسي مستمر وسط جوار متحرش؟

هل تناسينا أنه مع ما وقع من تداعيات للحرب الروسية-الأوكرانية أصبح العالم والدول الرأسمالية الكبرى، تتجه نحو تقليص فيض العولمة والتبعية لاقتصاد سوق همجي وغير محسوب العواقب، خصوصا في مجالات حيوية كالطاقة والفلاحة؟ وأصبحت هذه الدول، التي كانت توهم العالم بسحر الانفتاح التجاري الشامل، تعيد تدبير « مخازنها السيادية » الزراعية والطاقية أمام استشراف مقلق لعشرية الجوع والعطش؟

كيف للمغرب أن يحرر كل شيء ويغامر بتحرير كل القطاع الفلاحي لدرجة تحولت منتوجاتنا الفلاحية السيادية (الأسماك، الحوامض، البواكر، التمور، الزيوت…) لمنتوجات يعاد بيعها لنا من طرف شركات ومجموعات استثمارية جشعة فوتت لها مساحات شاسعة وولوجيات غير مسبوقة لتتحكم في الإنتاج الزراعي وفي أسواقه الداخلية؟

من نتائج هذه العقيدة التجارية في الفلاحة، الرفع الصاروخي من كلفة « قفة المغربي » الذي لم يعد يأكل من مجاله البحري الضخم سوى « السردين وكابايلا » وبأثمنة خيالية، وتسجيل هزالة الموائد وتفقير ممنهج لصغار الفلاحين. بعض السفسطائيين يفسرون ذلك بكونه راجع للأزمة الاقتصادية العالمية ووقع الحروب على اقتصاد بعض الأسواق الهشة، ولكن يتناسى الجميع أنه لا مبرر اليوم لسقوط نصف المغاربة سريعا في وضعية جوع وعطش كان سببهما غياب رؤية واضحة وعملية لضمان أمننا الغذائي، ونحن دولة فلاحية بامتياز .

لنشير بالاصابع لبعض المسؤولين عن هذه المعضلة وكارثتها الوشيكة : أنا لا أحب المزايدة على الناس واستغلال المشاكل لاستدراجهم المجاني للمقصلة الرمزية، ولكن السيد اخنوش، باعتباره وزير فلاحة سابق عمر طويلا في هذا المنصب، وكان مدبرا مباشرا وآمرا بالصرف المالي ordonnateur لهذا المخطط الأخضر، وباعتباره اليوم رئيس حكومة له من صلاحيات التصحيح الشيء الكثير، هو المعني بالمساءلة السياسية والنيابية وحتى القضائية فيما يتعلق بالقضية السيادية الثانية (بعد الوحدة الترابية) ألا وهي قضية الوحدة والأمن الغذائيين للمغاربة.

في التواصل السياسي الحكومي حول الفلاحة نحس بأن الحكومة تحصرنا دوما، ومع سبق إصرار وترصد، في نفس العناوين النمطية المتكررة : ملمترات التساقطات، حقينة السدود ثم عدد أكياس القمح التي تم حصادها باعتبارها القضايا المفصلية للفلاحة… ويتجنب النقاش السياسي العمومي التحدث مثلا عن : الوضعية المقلقة لزيت أركان والزعفران المحتكر من طرف شركات جلها إسرائيلية وفرنسية (أو هما معا). ومناقشة الوضعية المقلقة لحل معضلة جفاف الفرشات المائية التي استنزفتها مزروعات مكلفة مائيا توجه جلها للتصدير (وتلك اختيارات حكومية). وتتجنب السياسة مناقشة خطورة وضعية الصبار والتمور و فضائح تفويتها لمجموعات أجنبية، وخطورة تعويض « الدلاح المغربي » بالدلاح الأمريكي وتصفية كل بذوره وتصديرها لأمريكا لأنه دلاح غير مكلف مائيا.. ثم يغيب نقاش تقييم الآثار الاستثمارية لنظام المأذونيات الفلاحية (الرخص الاستثنائية عبر تفويت الضيعات ورخص الصيد…) وقيمتها المضافة في سياق فلتت الفلاحة من يد الدولة. بدون أن يتم طبعا مناقشة مسالك التضريب imposition على الفلاحين الكبار والشروع الفوري فيه. بدون الحديث طبعا عن هشاشة وضعيات الفلاحين الصغار وسيادة الطابع غير المهيكل على غالبية الأنشطة الفلاحية وعدم وجود دعامات واقعية مستدامة وهيكلية (بعيدة عن صدقات الدعم المالي المباشر المحدود) لدعم الفلاحة في أزمنة الجفاف (وهي الأزمنة القادمة)… هناك معضلات فلاحية كثيرة يتم تفادي النقاش العمومي حولها مع الأسف.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *