أحمد اليبوري وشاعر الحمراء بعيون ناقدة.
محمد فنان طالب باحث
شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية مكناس بتاريخ 16 ماي 2023 يوما دراسيا من تنظيم فرقة الدراسات الثقافية بالمغرب، وقد كان موضوع اللقاء متعلقا بآخر إصدارات الأستاذ الدكتور أحمد اليبوري، » في شعرية ديوان روض الزيتون لشاعر الحمراء. وهو لقاء شاركت فيه نخبة من الأسماء الوازنة نقديا في العالم العربي.
وقد شكل هذا اللقاء العلمي حدثا كبيرا، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بآخر إصدارات الأستاذ اليبوري الذي يعرفه القراء كناقد يهتم بالدراسات السردية. كما تميز بالرسالة بعثها صاحب « دينامية النص الروائي » الى هذا اللقاء العلمي، والتي قرئت على الحاضرين في الجلسة الافتتاحية. وقد تضمنت آراء نقدية عميقة بخصوص العمل الذي أنجزه حول شاعر الحمراء والسياق العام الذي كتبت فيه الدراسة، التي أكد أن هدفها الأساس يكمن في رد الاعتبار لهذا الشاعر الكبير الذي كاد أن يطويه النسيان على الرغم من المكانة المرموقة التي ظل يحظى بها في النصف الأول من القرن العشرين، وهي فترة مضطربة من تاريخ المغرب وسمت بالحماية الفرنسية وبشطط واستبداد الباشا الكلاوي في مدينة مراكش خاصة. وكان لتلك الرسالة وقع كبير على الطلبة الحاضرين لأنها مكنتهم من توطيد العلاقة بينهم وبين كاتب مغربي من المؤسسين للجامعة المغربية.
ساهم في هذه التظاهرة العلمية التي أدار أشغالها الدكتور إدريس موحتات عدد من النقاد والباحثين ، وتابعها جمهور كبير من أساتذة وطلبة الكلية المنتمين إلى مختلف الأسلاك، بالإضافة إلى مهتمين من مدينة مكناس ومن خارجها.
الجلسة العلمية عرفت خمس أوراق بحثية تقدم بها كل من الأساتذة: الدكتور أحمد بوحسن والدكتور علال الحجام والدكتور شعيب حليفي والدكتور حسن مخافي والطالب الباحث محمد فنان.
وقد افتتحها الأستاذ أحمد بوحسن، الذي قدم لبحثه بالحديث عن الدور الريادي الذي قام به أحمد اليبوري أستاذا وباحثا وناقدا أدبيا ومثقفا. فذكر بأن الرجل له باع طويل في مجال الدرس الأدبي عموما، والدرس الروائي على وجه الخصوص، ولكن همه في أول عهده بالدراسات النقدية كان هو الشعر، الذي حاول ممارسة كتابته، ونشر فيه بعض القصائد. وأضاف بو حسن أن الحديث عن اليبوري يجعلنا أمام شخصية متعددة في اهتماماتها، فهو شخصية أدبية أبانت عن قدرة عالية على تطوير الدراسات النقدية الحديثة، وعملت على تخليص النصوص الإبداعية من القراءات القديمة التي تقوم على الانطباعات والتأويل المتعسف للإبداع الأدبي الذي يرمي إلى فهم النص فهما خاصا، وهو ما تجلى في كل مؤلفاته. وفي معرض حديث بوحسن عن كتاب « في شعرية روض الزيتون » توقف عند المفاهيم الأساسية المعتمدة في مقاربة شعر شاعر الحمراء، وخلص إلى أن الكتاب جاء كي يملأ فراغا في الدراسات الأدبية بالمغرب، لأنه يمكن القارئ من تكوين صورة أكثر وضوحا عن محمد بن إبراهيم المراكشي وعن شعره.
أما الأستاذ الشاعر علال الحجام فقد قاده الحديث عن أحمد اليبوري إلى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات عندما كان يمارس مهمة نائب العميد بكلية الآداب بفاس، فذكر بمواقفه المشرفة المنحازة دوما إلى الطلبة الذين كان يقاسمهم هموم المرحلة. أما بخصوص الكتاب موضوع اللقاء فقد أبان الحجام عن الأهمية القصوى التي يحظى بها في سياق دراسة الشعر المغربي عامة، لأنه يميط اللثام عن تفاصيل دقيقة صاحبت شعر محمد بن إبراهيم وشعره. ولم يجد الباحث أية غرابة في انتقال اليبوري من الكتابة عن الرواية إلى الكتابة عن الشعر، لأن الكاتب كان أستاذا للشعر في فترة ما، بل إنه حاول كتابة الشعر في فترة من فترات حياته الأدبية. هذا بالإضافة إلى ما يجمع الشعر والرواية من عناصر فنية تجعل منهما توأمين. كما ذهب إلى أن لكل نص نقدي ذاكرة سردية، وهي في كتاب « في شعرية روض الزيتون » تعبر عن موقع الناقد داخل المجتمع الثقافي المغربي بكل مستوياته. وتوصل الأستاذ علال في سياق تفكيكه للكتاب إلى أن اليبوري أحاط بموضوعه عبر أربع مراحل متداخلة: المرجعي، والتأويلي، والحجاجي، والتشكيلي.. شكلت كل مرحلة منها محورا من محاور الكتاب. وهي تعبير عن تجربة نقدية تتجه إلى المتلقي النبيه.
أما الأستاذ شعيب حليفي، فأكد أنّ الأستاذ أحمد اليبوري يجب أن يكون درسا دائما في الجامعة المغربية باعتباره مثالا حيا على التضحية والدفاع المستميت عن الثقافة المغربية، وذلك لما يمتلكه من أفق تجديدي تنويري، حدده في مختلف المحطات التي مر بها في حياته كأستاذ جامعي وكمفكر وكاتب وكفاعل في المجتمع المدني وخاصة في اتحاد كتاب المغرب الذي ترأسه لولايتين. وأكد الأستاذ حليفي أن كل كتاب يصدره اليابوري وكل دراسة ينجزها وكل محاضرة يلقيها، تؤسس لثقافة مغربية حديثة، إنه يؤمن بمجتمع المعرفة، والمغرب بدون معرفة مثل التي أسس لها أحمد اليبوري على مدى خمسة عقود لا يمكنه التقدم. ومن ثم فإن اليبوري ساهم في بناء عقلنا وشخصيتنا ومستقبلنا. وكتابه عن محمد بن إبراهيم المراكشي يسير في هذا الاتجاه الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى لفت الانتباه لمناطق الظل في الثقافة المغربية وتسليط الأضواء عليها، وهو ما قام به اليبوري عندما خص شاعر الحمراء بكتاب سيظل دون شك مرجعا أساسيا من مراجع الشعر المغربي الحديث.
ورقة الأستاذ حسن مخافي قاربت الكتاب بوصفه عملا استثنائيا لكاتب استثنائي، ذلك أن كتاب « في شعرية روض الزيتون » جاء في سياق اهتمام اليبوري بالأنواع السردية لعقود من الزمن، وهو المؤلف الذي قال عنه حسن مخافي إنه يرمي إلى إبراز الخصوصية المغربية والشخصية المغربية في مجال الشعر. وقد استطاع أن يقدم للقارئ مادة أدبية تساعده على التمييز بين طبيعة الأدب في المشرق وفي المغرب. وقال الأستاذ مخافي وهو يحلل الكتاب إن القارئ بمجرد انتهائه من قراءة عمل الأستاذ اليبوري يخرج بتصور جديد عن الشاعر ابن إبراهيم وعن الفترة التي عاشها. وقد تمكن الكاتب من الوصول إلى هذا الهدف عن طريق المزاوجة بين رسم ملامح السياق الاجتماعي والثقافي لذلك الشاعر وبين الاشتغال على نصوص شعرية أخضعها الكاتب لمبضع التحليل النقدي الرصين.
وقدم الطالب الباحث محمد فنان في مداخلته قراءة لكتاب أحمد اليبوري « في شعرية روض الزيتون »، متتبعا آثر منطق بناء النص ومنطوقاته في متن الديوان. فأكد أن الناقد قد أخضع الديوان للدرس انطلاقا من مفهوم القراءة بمعناه العام عبر اعتماد قياس سمات الاحتذاء والإبداع في نصوص الديوان، ثم بلاغة المخاتلة متجلية في عناصر التعبير عن القضية الوطنية، وأخيرا ملامح من شعرية الديوان ومقوماته الفنية، وسبل تأويلها.
وقد تلت هذه المداخلات مناقشة ساهم فيها الحضور أساتذة وطلبة ومهتمين، في تعميق الرؤية النقدية للمؤلف، وللإبداع المغربي.