رحاب المسرح: حين يتعانق الفن والجنون في الدار البيضاء

رحاب المسرح: حين يتعانق الفن والجنون في الدار البيضاء
شارك

ايمان وليب

في مدينة الدار البيضاء الساحرة، وعلى وقع نغمات الأحاديث الفكرية، اجتمع يوم الجمعة، 5 يوليوز 2024، نخبة من الأكاديميين والمختصين في فن المسرح والفنون بفندق الدار البيضاء، لتبادل الآراء والنقاش حول موضوع « المسرح والجنون ». كان هذا اللقاء نافذة أطلّوا منها على العلاقة المتشابكة بين الفن والاضطرابات النفسية، وتأثيراتها العميقة في نسيج المجتمع.

بدأت الجلسة بحضور متألق للأساتذة اليوسفي، الدكتور المزراوي، الأستاذة هدى، والأستاذ عبد الإله، حيث غاصوا في أعماق العلاقة بين الفصام والمجتمع الحديث. تساءلوا حول ما إذا كان الفصام، الذي يظهر كظلٍّ مظلم في زوايا العقل، هو بالفعل نتاج حتمي للنظام الرأسمالي، الذي يفرض إيقاعه على حياة الأفراد. بدا الفصام وكأنه تمرد على هذا النظام، مما دفع المسرح إلى هجر تقاليده الغربية والتجديد في لغته ورؤاه.

تواصل الحوار، ليبرز تحول المسرح من كونه مجرد مرآة للحياة إلى كونه الحياة بذاتها. لم يعد المسرح مجرد وسيلة ترفيه أو تعبير فني، بل صار ينبض بالتجارب الإنسانية، يروي قصصهم ويرسم ملامح أرواحهم المعذبة. هذه الرؤية الجديدة للمسرح تعزز دوره في إلقاء الضوء على القضايا النفسية والاجتماعية، لتكون كل عرضية مسرحية رحلة داخل الذات الإنسانية.توقف المتحدثون عند دور المسرح في معالجة الجنو

ن، مستعرضين كيف استخدم هذا الفن العريق كوسيلة علاجية منذ القرن التاسع عشر. تحدثوا عن المسرح كأداة تعبيرية، تساعد في محاكاة التفاعلات الإنسانية، وتحرير المشاعر والأفكار المكبوتة. الفن، بقدرته على فك القيود عن العواطف، يعيد تشكيل الفكر والسلوك، ويمنح النفس البشرية متنفسًا يعيد إليها توازنها المفقود.

وأشار النقاش إلى أن مفهوم الجنون ليس ثابتًا، بل يتغير مع تقلبات الزمن وتبدلات المجتمعات. في العصور الغابرة، حين كان التصور الديني هو السائد، كان الجنون يُعتبر حالة خاصة تستدعي تدخلاً إلهيًا. لكن مع تطور العلم والطب النفسي، تغيرت النظرة إلى الجنون ليصبح مفهوماً نفسياً يحتاج إلى الفهم والعلاج العلمي.

وقد أبدعت الأستاذة هدى من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، في مداخلتها التي تناولت العلاقة بين الجنون والتراجيديا. شرحت كيف أن الجنون في التراجيديا ليس مرضًا بل رمزًا، يعبر عن أقصى درجات الوعي التراجيدي. الجنون، في هذا السياق، هو لغز يستدعي التفكيك والفهم العميق، خطاب يحمل في طياته معاني خفية تحتاج إلى الاستكشاف.

اختتم المتحدثون الحوار بالتأكيد على أهمية فهم العلاقة بين المسرح والجنون من منظور تاريخي ونفسي واجتماعي. شددوا على أن المسرح ليس مجرد وسيلة للتعبير الفني، بل هو أيضًا نافذة على تجارب إنسانية عميقة ومعقدة. دعوا إلى ضرورة تعزيز الدراسات والأبحاث التي تتناول هذا الموضوع من زوايا متعددة، لتوفير فهم شامل وأكثر عمقًا.

في نهاية اللقاء، اتفق الجميع على أن المسرح، بقدرته على عكس الواقع وتجسيد الخيال، يلعب دورًا جوهريًا في معالجة القضايا النفسية والاجتماعية. هذا الفن الراقي، بجنونه وتنوعه، يبقى وسيلة لا غنى عنها لفهم الإنسان وعالمه الداخلي المعقد.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *