التحديات التي تواجه الأساتذة المتدربين بجهة الدار البيضاء-سطات (نموذج : شعبتي الفلسفة و اللغة الأمازيغية )
لبنى بطاهر
تعتبر مرحلة الالتحاق بالمراكز الجهوية للتربية و التكوين بالمغرب ، مرحلة تمفصل و طفرة في تكوين أستاذ الغد و المستقبل، لكن تظل مهمشة و في طيات النسيان، إلا أنها اجترار وإتمام للمرحلة الطلابية بكافة مستوياتها ، واستشراف لمربي الأجيال، فهي حمالة أوجه، تتأرجح بين ما هو ايجابي، كتلقين المعرفة و كيفية تدبيرها بيداغوجيا وديداكتيكيا، وبين ما هو سلبي المتجسد في المعاناة التي تواجه الأستاذ المتدرب في إتمام تكوينه، وهذا الشق الثاني، ما سأسعى إلى تسليط الضوء عليه، إلا أن الأستاذية في آخر المطاف هي لأبناء الشعب الكادحين، حيث تشكل لبنة المجتمع وبها يتم تحديد نسبة الوعي وتقدمه و تخلفه.
وللأهمية التي تكتسبها هذه المرحلة في القاعدة المهنية للتعليم ببلادنا، سأكتفي بدراسة الحالة، لجهة الدار البيضاء – السطات، نموذجي، شعبة الفلسفة و الأمازيغية، لقيادتهم جميع محطات المطالبة بحقوق مشروعة بالمركز الأساس لدرب غلف ( = شعبة الفلسفة ) وملحقة حي السلام غاندي (= شعبة الأمازيغية )، معتمدة على الملاحظة في تحليل الأحداث تاركة ما هو تكويني / إداري بالمركز، وعرض ما يخص التحديات والمواجهات التي خاضها الأساتذة المتدربين بالجهة .
فالأساتذة المتدربين المقبولين بالمراكز الجهوية لدار البيضاء- سطات، و القادمين من مناطق بعيدة تزيد عن خمس مئة كيلومتر، من الشمال إلى الجنوب، هم أشد استنكار للتوزيع عدد المناصب للشغل في مناطقهم كما أن طبيعة التخصص، تفرض عليهم الهجرة من القرى إلى المدن. ليظل السؤال المطروح بذاته : ما هي طبيعة المعاناة التي يعانونها ؟وكيف تمر الأيام معهم في فترة تكويناتهم ؟ قبل ولوجهم مهنة التعليم بالتعاقد، والذي هو في حد ذاته مشكلة عويصة في بلادنا، تحتاج إلى تسريع في حسم قضية الإدماج المباشر و إنهاء ولاية التعاقد .
يتعرض الأساتذة المتدربين، من أبناء الطبقة الشعبية، الذين اعتادوا الترحال، رغم قساوة الظروف المحيطة بهم، إلى مجموعة من المعاناة المادية بالدرجة الأولى، التي تفضي إلى معاناة وضغوطات نفسية خانقة، الصورة المأخوذة عنهم من طرف العامة : إنهم أساتذة لهم مستحقات تليق بهم، إلا أنها لا تتجاوز 1400 درهم شهريا، مما يستلزم الوقوف عند هذه النقطة الزهيدة، و التساؤل: ماذا يمكننا أن نفعل بهذا المستحق في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية؟ هل نسدد به ثمن غرفة للكراء ؟ أم مصاريف التنقل ؟ أم المصاريف الخبزية التي يهان بها طالب العلم؟ ما لا ينبغي إغفاله، علاوة على كل ذلك ، أنها لا تصرف في وقت محدد، بل حتى آخر الشهر، وهي تدل على سياسة التماطل في صرف مستحقات زهيدة، هذه أولى التحديات التي يواجهها جل الأساتذة المتدربين بكل المراكز بصفة عامة، ولجهة الدار البيضاء سطات بصفة خاصة، كما ينبغي تكسير النظرة العمومية والشائعة، وإقرار أن فترة التكوين هي مرحلة طلابية، لا فرق بينها وبين مرحلة الإجازة أو الماستر، سوى قفزة من مستوى إلى آخر، تلحقها كل الظروف المقاومة والصمود ، كطفرة ونقطة تحول من العطالة إلى العمل، شكليا لا مضمونا .
أما الصعوبة الثانية، فهي مسألة السكن(= الكراء)، ارتفاع مهول لا طاقة للوافدين من الأساتذة المتدربين به، حيث يزيد عن 2000 درهم للشقة الواحدة، أما السكن الداخلي بالمركز، فبسبب الظروف التي تعاني منها البلاد بسبب جائحة وباء كورونا، لم تفتح هذه السنة في وجه كل الأساتذة سوى القادمين من مناطق بعيدة / مهمشة .
ارتأيت اختيار نموذجين، كبؤرة و مرآة لأخذ الصورة الكاملة عن الإشكال السالف الذكر: شعبة الفلسفة بالمركز الجهوي للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء – سطات، المقر الرئيس بدرب غلف، قبل ذلك يجب ملاحظة توزيع المناصب بالمغرب لسنة 2020/2021، حسب الجهات بالمملكة:
الجهة | العيون الساقية الحمراء | فاس – مكناس | طنجة/ تطوان/ الحسيمة | الرباط / سلا / القنيطرة | الدار البيضاء / سطات | سوس / ماسة | كلميم واد نون | الداخلة وادي الذهب | درعة تافيلالت | الشرق | بني ملال خنيفرة | مراكش / آسفي |
عدد المناصب | 2 | 4 | 32 | 23 | 54 | 34 | 6 | 1 | 23 | 34 | 34 | 53 |
عدد المناصب المخصصة لشعبة الفلسفة بالمغرب هو 247 منصب، موزعة بتباين صارخ، حيث نجد نسبة 54 لجهة الدار البيضاء – السطات، أي ما يعادل بالتقريب مجموع 6 جهات وهي العيون الساقية الحمراء / فاس- مكناس / كلميم واد نون / الداخلة واد الذهب / الرباط –سلا-القنيطرة / درعة تافيلالت ، أي ما يعادل 59 منصب، حسب الخصاص، مما يضطر الخرجين من مختلف الجامعات
إلى الترشيح بالعاصمة الاقتصادية، هذا ما يوضحه المبيان التالي :
من ذلك، يحصل التنافس الشديد بجهة الدار البيضاء من طرف جل المترشحين على صعيد المملكة، بشعبة الفلسفة، لكن يسقط ضحية هذا التوزيع أبناء الهامش والمناطق النائية البعيدة، ليجدوا أنفسهم وسط أكبر مدن المغرب سكانا واقتصاد موغل .
لقد خاض الأساتذة المتدربين بشعبة الفلسفة مقاطعات متتالية داخل المركز الرئيس بدرب غلف، مطالبين بصرف المستحقات وفتح السكن الداخلي و المكتبة والمقصف، بشكل نضالي، يحترم فيه جميع الاحترازات الوقائية التي تنص عليها المواثيق الصحية للسلامة من الوباء، وباحترام أدبيات وأخلاقيات النضال وقوانين المركز. فالاختناق الإحصائي في التوزيع المناصب لشعبة الفلسفة بالمغرب، تتعرض له بنفس الحدة شعبة اللغة الأمازيغية، مما يستلزم الالتفات الى كلتا الشعبتين، فالجدول الذي بين أيدينا يكشف لنا هذا التضييق:
الجهة | العيون الساقية الحمراء | فاس – مكناس | طنجة/ تطوان/ الحسيمة | الرباط / سلا / القنيطرة | الدار البيضاء / سطات | سوس / ماسة | كلميم واد نون | الداخلة وادي الذهب | درعة تافيلالت | الشرق | بني ملال خنيفرة | مراكش / آسفي |
عدد المناصب | 6 | 31 | 25 | 20 | 42 | 14 | 11 | 1 | 11 | 14 | 10 | 15 |
بحيث نجد عدد المناصب لشعبة اللغة الأمازيغية 200 منصب، موزعة بطريقة شبه متباينة نسبيا على جهات المملكة، إذ تنال جهة الدار البيضاء – سطات نسبة 42 منصب لوحدها، وهو ما يعادل تماما مجموع خمسة جهات وهي : العييون الساقية الحمراء، الداخلة وادي الذهب، بني ملال خنيفرة، درعة تافيلالت / كلميم واد نون، سوس ماسة، بمجموع 42 منصب، كما يبينه المبيان التالي :
ما ينبغي التصريح به، أن شعبة الأمازيغية كانت سباقة بشهر تقريبا بخطوات النضال والمطالبة بالحقوق المشروعة، مع أخذ كل الاحترازات الوقائية، بملحقة حي السلام غاندي، من دون الشعب الأخرى التي لزمت الصمت بعلم أو عن جهل، مطالبين بمطالب مشروعة متمثلة بصرف المستحقات و فتح السكن الداخلي والمكتبة والمقصف، وهذا ما وحدها مع شعبة الفلسفة بالمركز الرئيس . ليطرح السؤال : لماذا شعبة الفلسفة واللغة الأمازيغية، قادا تلك المعارك من دون الشعب الأخرى؟ لأن معظم الأساتذة المتدربين بالشعبتين، من مناطق بعيدة جدا، و من أسر فقيرة، تكبدوا العناء الكثير من أجل تعليم أبنائهم، وتحملوا ما لا طاقة لهم لمدة طويلة، بغية تلك اللحظة التي يجدون أبناءهم موظفين، ليعيشوا بكرامة.
لكن مسار التعليم بالعقدة يحطم كل آمال الأسر والمدرسة العمومية، التي كانت أملهم الوحيد للنجاة، لتتحول إلى خوصصة مهولة، بصيغة أخرى سيصبح التعليم لأبناء الطبقة البرجوازية والميسورة اذا لم تنته هذه الحرب ضد المدرسة العمومية. لتصبح فترة التكوين هي مرحلة استعداد لمعركة أكبر بالعقدة، والإحساس بالتهديد والتعذيب النفسي من المستقبل، الذي لا يبرأ ينتهي بسبب أنظمة وقوانين مجحفة في حق الأساتذة المتدربين، أي أساتذة الغد الذين فرض عليهم التعاقد مستقبلا .