الإعلام في علاقته بثقافة حقوق الإنسان
أبو لمياء
إذا كان الإعلام حقلا من حقول المعرفة، آخذا مكانته من بين العلوم الاجتماعية، فإنه لارتباطه الوثيق بالإنسان، كفاعل مجتمعي في علاقته بمجالات متعددة كالتاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا …الخ ومن بين موضوعات الإعلام الأساسية حقوق الانسان. إذ لا إعلام بدون مجتمع، ولا مجتمع بدون إعلام، حيث أن الوظيفة الحقيقية والأساسية للإعلامي والصحافي هي الدفاع عن الانسان في كشف الواقع.. في هذا الإطار يمكن الحديث عن خمس موضوعات، يحضر فيها الاعلام بقوة.
موضوع صورة حقوق الانسان في الإعلام المغربي: يمكن أن نتناوله في شقين، شق فيه دور للإعلام كقاطرة لحقوق الانسان، باعتباره فاعلا أساسيا في كشف انتهاكات حقوق الانسان، منها الحقوق المدنية والثقافية والسياسية والاقتصادية…الخ. أما الشق الثاني، يمكن أن نرصد فيه سلبيات الإعلام من خلال إعطائه صورة مشوهة لحقوق الانسان، التي نقرأها في بعض المنابر.
عموما يمكن أن نركز على أربعة صور سلبية للإعلام:
1- المعجم اللغوي: ينزلق أحيانا لحث الكراهية والعنصرية، كالمواقف المعادية للهجرة السرية الاتية من افريقيا جنوب الصحراء. والإهانة والسب بلغة سوقية لبعض القيم الثقافية والاجتماعية الإيجابية. وتبادل القدف بكلمات لا تليق بآداب الحوار ولغة المحاورة «الشعبوية »، التي نجدها سائدة في شبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص، وهذا يؤسس لنظام مصطلحي جديد، يرى في المظهر السلوكي للناس سببا للحكم على انحطاطهم الأخلاقي، دون النظر إلى البنيات الاقتصادية والسياسية والنفسية، التي تكمن خلف الوقائع التي تصدر عنهم، ولعل الدافع إلى ذلك هو خلق ما يسمى ب « البوز » بالتفرج على آلام الناس.
2- الصور الإعلامية: فالصورة حق من حقوق الانسان، باعتبارها وسيلة للتعبير الاعتيادي عن واقع الناس، أو لكونها رسالة فنية سواء بالصورة الفتوغرافية أو الكاريكاتير …الخ، لذلك يمكن الإشارة، إلى أن العديد من المنابر الالكترونية والورقية، تنشر في صفحاتها الأولى صورا مشوهة للإنسان، دون احترام حقوق الملكية. والحريات الفردية وذلك لتصنع الإثارة ابتغاء الربح.
3- المرأة في الإعلام: تسوق بعض المنابر، صورا للمرأة كسلعة للإشهار الاستهلاكي، من أجل الرفع من درجة المبيعات أو للحصول على عدد أكبر من القراء.
وهذه الصور المشوهة للمرأة، قد تكون من خلال ادعاء لبرالية فجة، تثير الغرائز الجنسية من خلال نشر صور المرأة العارية، أو من خلال زاوية أخرى، مثل حجب النساء بالبراقع والخمر للمتاجرة الايديلوجية بالدين. وهذا ينطبق بصورة أخرى على الرجل.
4- الأشخاص في وضعية إعاقة: يجب التخلي نهائيا عن المقاربة الإحسانية لأغراض شتى كجمع التبرعات المحكومة بأهداف سياسية غير معلنة خاصة تلك التي تستند على الخطاب الدعوي التبشيري والسعي نحو ترسيخ دولة الحق والقانون بمقاربة إنسانية حقوقية، في إطار الالتزام بأخلاقيات المهنة وميثاق الشرف.
موضوع الإعلام وحقوق الانسان بالمغرب: إن الإعلام هو المرآة الحقيقية التي تعكس طبيعة حقوق الانسان، فهو مطلب آني ومستقبلي. ويكفي أن نمثل لذلك بمشروع الجهة عندنا في المغرب، الذي أغفل الإعلام ببعده الإنساني ورهانه الاستراتيجي. فما هي أسباب هذا التغييب؟ لأن أي مشروع جهوي لا يمكن أن ينجح إلا بسند إعلامي، من خلال دعامات أساسية أهمها:
*يجب توظيف الإعلام للدفاع عن الجهوية واللامركزية وفصل السلط وتنظيمها في مشروع وطني ديموقراطي.
*يجب تقوية موضوع حقوق الانسان في الإعلام كضرورة تكوينية في المؤسسات التعليمية ومعاهد الإعلام والكليات، بالتركيزعلى التكوين وصقل الموهبة الصحفية والإعلامية، انطلاقا مما تستدعيه مطالب العولمة ومتطلبات حقوق الانسان، خاصة وأننا نشهد ثورة معلوماتية تستدعي تطوير وتثوير المواقع الالكترونية وجعلها قريبة من المستهلك، بشكل إيجابي، تحفظ كرامته وتنمي شخصيته، وهذا الأمر يقتضي إيلاء الاعتبار للموارد البشرية والمادية.
*يجب تكوين صحفيين مختصين في الدفاع عن حقوق الانسان، خصوصا وأننا في المغرب لا نتوافر على قاعدة التخصص الصحفي.
موضوع واقع حرية الإعلام والتعبير بالمغرب: هناك علاقة جدلية بين حقوق الانسان و الإعلام، وبالتالي إن مؤسسة الدولة لم تستوعب بعد احترام حقوق الانسان، حيث طالت انتهاكاتها حق الممارسة الصحفية للعديد من المهنيين، وأجزم أن حقوق الانسان هي ثقافة وممارسة وليست خطابات فارغة المعنى، بل هي اختيارات تنموية. كما أن هشاشة الاقتصاد تؤثر سلبا على الفعل الحقوقي، وبالتالي فإن حقوق الإنسان كمنظومة هي جزء فاعل في الممارسة الديموقراطية.
موضوع قراءة في مشروع القانون الجديد للصحافة والنشر: يمكن أن ننظر إليه من خلال مثلث: استقلال القضاء و الإعلام وحقوق الإنسان، هناك علاقة قوية بين هذه الأطراف الثلاث، مشروع القانون الجديد الذي يتكون من 123 مادة، من بين الجديد فيه، إدراج الصحافة الالكترونية كمكون إعلامي. وإسقاط عقوبة السجن والاختصاص المكاني، بمعنى الحكم يصدر من المحكمة التي يوجد بترابها مقر الجريدة، كما جاءت الصياغة بعبارات فضفاضة مثل: النظام العام.
فمن بين السلبيات، الزيادة في الغرامة المالية التي ستحكم على المنبر الإعلامي بالموت، بمعنى المستهدف ليس الإعلام بل المؤسسة الإعلامية. ومن الصعوبات التي أقرها القانون الجديد، مسألة الملاءمة التي جاءت شروطها تعجيزية وبشكل مقصود، ولكن الواقع يقول العكس هناك مواقع تشتغل خارج الشروط، وأخرى تتوفر فيها شروط الاشتغال ومع ذلك تعرضت للمنع. كما لم يحسم القانون الجديد في المفاهيم التي ارتبطت بالصحافة الالكترونية، من قبيل تعريف معنى الصحافي المهني وصعوبات الحصول على المعلومة، بالرغم من ظهور قانون 13/ 31 المتعلق بحق الحصول على المعلومة، كذلك احتقار الصحافي الالكتروني أثناء القيام بعمله. كما أن هناك مؤسسات تحاصر الصحافي كوزارة الداخلية والمجلس الوطني للصحافة والاعلام ووزارة الاتصال والمركز السينمائي الذي يرخص للتصوير لمدة سنة قابلة للتجديد. هذا التعدد للمتدخلين يعيق تطور الصحافة في البلاد.
كما أن هذا القانون، يحرم الصحافي الهاوي من ممارسة الصحافة، مع العلم أن نساء ورجال الصحافة المؤسسين الأوائل، كانون من أسرة التعليم والمحاماة.
موضوع الإرهاب بين الهاجس الأمني وحقوق الإنسان في الإعلام: يمكن طرح قضية الإرهاب في بعدها الأمني والحقوقي، كما يمكن ربط تراجع حقوق الإنسان ابتداء من الضربة الإرهابية 11 سبتمبر، التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية ودور الإعلام العالمي في كيفية الترويج لتلك الضربة.
يمكن القول، أن المغرب منذ 2011، عرف العديد من الأحداث التي طبعت وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، نجد جميع الجمعيات الحقوقية، عند اطلاعنا على تقاريرها، أنها واكبت العديد من حالات التضييق والمتابعات القضائية والاعتقالات التعسفية في حق كتاب الرأي والصحفيين والحقوقيين والجمعويين.
تقر جميع الجمعيات الحقوقية عن تضامنها مع جميع الناشطين الذين تعرضوا للمتابعات، ومنهم من لا زالت ملفاتهم المفبركة قائمة، وهكذا فجميع الحقوقيين ومن خلال تقاريرهم، يدقون ناقوس الخطر لمظاهر التسيب في المدن والقرى المتمثلة في انتشار ظاهرة الإجرام بكل أفعاله، لذلك على الحكومة تحمل مسؤوليتها في حماية أمن وأمان حقوق الانسان.