الربيع العربي المغربي هل كان خدعة؟
عبد العزيز شبراط
أواخر سنة 2010 ومطلع 2011، انطلقت الثورات العربية، والتي سميت حينها بالربع العربي من تونس، يوم صب الشاب محمد البوعزيزي البنزين على جسده، وأضاف له عود ثقاب مشتعلا، لتنطلق النار تأكل جسده، احتجاجا على ظلم السلطات العمومية، التي احتجزت بضاعته التي كان يُسَوِّقها جائلا، من أجل ضمان قوته وقوت عائلته اليومي، وسط فضاء الفساد الذي كان ينخر البلاد، كباقي الدول العربية، والمسؤولون فيها يعبثون بمصالح المستضعفين، لم يكن أحد يظن قبل ذلك اليوم أن شرارة عود الثقاب تلك، ستتحول إلى كرة لهيب وستتدحرج إلى كثير من دول الوطن العربي، وستطيح بديكتاتوريات متوحشة كانت تجثو على صدور المستضعفين، في معظم تلك الدول العربية، هذه الديكتاتوريات التي كانت تعتقد أنها باقية الى الأبد، ولم تتخيل يوما أنها زائلة؛ لكن هتافات الحناجر الشابة وصيحاتها بشعار : » الشعب يريد إسقاط النظام « وهي تتجاوز عتبة الخوف وتواجه بصدورها العارية وأقدامها الحافية، وبطونها الفارغة ضربات الأحذية الثقيلة، والرصاص الحي في بعض تلك الدول؛ وكان من نجاحاتها إسقاط الديكتاتور زين العابدين بتونس، وفر هاربا تاركا الوطن لأهله، وانتهت حياة القذافي بميتة مذلة، وزج بحسني مبارك في محاكمات ماراطونية بمصر، وتعرى زيف نضالية عبد الله صالح باليمن، وقد كان لكرة اللهب هذه وهي تتدحرج، نتائج متفاوتة من بلد لآخر، فإذا كانت تونس قد تخلصت من بعض الفاسدين الجاثمين على ثروات البلاد، واتخذت لها مسلكا لا زال لم تتضح بعد صفاته فإن هذه الكرة، ألحقت الخراب والحروب المدمرة بكل من سوريا وليبيا واليمن، فتبخرت الآمال والأحلام الوردية التي من أجلها اندلعت الانتفاضة، واكتسح الشباب الشوارع لتحقيق حلم لم يكتمل كما كان متصور له.
هبت ريح التغيير ببلادنا أيضا، وتشكلت احتجاجات شبابية انطلقت بالأساس عبر وسائل التواصل الاجتماعي واتخذت لها شعارا : » الشعب يريد إسقاط الفساد« ، « الشعب يريد الاصلاح« ، ولما شاع خبر نجاح انتصار « الثورة » المصرية وتنحي الرئيس مبارك، انضمت مجموعة من الجمعيات الحقوقية إلى دعوة الشباب المغربي للتظاهر في الشارع العام، والمطالبة بإسقاط الفساد والمفسدين، وتأسست حركة 20 فبراير، بالتزامن مع 17 منه سنة 2011، حيث عقدت هذه الحركة ندوة صحفية بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وحددت خلالها مجموعة من مطالبها ( إقامة نظام ملكي برلماني ووضع دستور ديمقراطي جديد وحل البرلمان وإقالة الحكومة)، ولأن العالم العربي كان يغلي ويسير نحو تحقيق مطالب الشباب وطرد الفاسدين و الاستبداديين، وكانت الرياح تسير نحو التصعيد، كما لم تكن مطالب حركة 20 فبراير سوى مطالب إصلاحية ليس إلا. وكان سيد الأجواء حينها الغضب العارم واجتياز كل العقبات لأجل ذلك، لم يعد حينذاك للمقاربة الأمنية دورا في ثني الاحتجاجات المتواصلة بشوارع العديد من المدن المغربية، فقد استجاب صاحب الجلالة لمطالب الحركة وضم صوته إلى صوت الحركة، فوجه خطابا يوم 9 مارس وصفته حينها العديد من الصحف داخل وخارج الوطن ب « الخطاب الثوري »، إذ دعا لتأسيس لجنة استشارية لتعديل الدستور، واعتبر العديد من المتتبعين حينها وكأن الملك تبنى شعار » الشعب يريد وأنا معه ». الدستور المعدل، جاء بمجموعة من التغييرات التي حملت الكثير من الآمال والانفراج، حيث نص على الفصل بين السلط واحترام استقلالية القضاء، كما نص على تغيير تسمية الوزير الأول بتسمية رئيس الحكومة، ووسع من اختصاصاته بشكل ملحوظ لم يسبق له مثيلا في أي من دساتير المملكة السابقة، حيث أصبح هو المسؤول على الحكومة، والمنسق بين عناصرها، كما نص الدستور على أن يعينه الملك من الحزب الذي حاز على أعلى الاصوات في الانتخابات التشريعية، وهو ما اعتبر حينها احتراما واضحا لنتائج صناديق الاقتراع، وللديمقراطية بشكل عام، كما تم التنصيص على أن اللغة الأمازيغية لغة وطنية، إلى جانب اللغة العربية، في تعبير واضح عن التعددية الثقافية والعرقية بالبلاد، وأعلن عن انتخابات سابقة لأوانها.
لا بد من الاشارة هنا أن حزب العدالة والتنمية وفي خضم أجواء الربيع العربي، استطاع أن يجر كل الغاضبين إلى التصويت لصالحه، وهو ما حصل ومكنه من احتلال الصفوف الاولى ب 107 من المقاعد في مجلس النواب، وتم تكليف زعيمه عبد الالاه بن كيران، من لدن جلالة الملك، بتكوين الحكومة التي سيرأسها وفقا لمضامين الدستور الجديد، واشترك معه في تلك الحكومة الائتلافية كل من حزب الاستقلال والحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، كان أمام هذه الحكومة العديد من الملفات المطروحة في ظرفية صعبة، اقتصاديا واجتماعيا وحتى إداريا، وظل حزب العدالة والتنمية يردد مرارا وتكرارا، أن حزبه جاء بالأساس لمحاربة الفساد والمفسدين، وظل ينعت أولئك الفاسدين والمفسدين بالتماسيح والعفاريت، حتى اعتقد المستضعفين أن حزب العدالة والتنمية ك انصادقا فيما يدعيه، ومرت الفترة الحكومية الأولى برئاسة حزب العدالة والتنمية بما لها وما عليها، وكأن الحزب نجح في إقامة هدنة سياسية، وتوارت حركة عشرين فبراير، تراقب وتنتظر ما سيفعله هذا الحزب ذو المرجعية الاسلامية، التي تدعو إلى العدل في توزيع الثروات والاهتمام بالمستضعفين، وتستند إلى تاريخ عمر بن الخطاب، حيث ظل يكرر مرارا وتكرارا رئيس هذه الحكومة القولة المشهورة « غرغري أو لا تغرغري »؛ فقامت هذه الحكومة بإصلاح صندوق المقاصة و قامت بتحرير الهيدروكاربيورات، ما سمح بتوالد شركات جديدة في هذا المجال، وتمكنت من الاغتناء السريع على حساب القدرة الشرائية للمستهلك، في حين لم تلتزم هذه الشركات بما يقع في السوق العالمية للمحروقات وظلت تحافظ، على ارتفاع الأثمنة مهما انخفضت عالميا، كما قامت هذه الحكومة بتعديل قانون المعاشات ورفعت حد السن إلى 63 سنة، وخفضت من نقط الاستفادة من 2.5 الى 2 بالمائة، كما جعلت نقط الاستفادة من التقاعد النسبي 1.5 عوض 2 كما كان معمولا به في السابق،، وارتفعت أسعار بعض المواد الأساسية مثل الحليب والماء والبنزين والكازوال، مما جعل الشباب يدعون عبر وسائط التواصل الاجتماعي الى مقاطعة تلك المنتوجات، وعانت تلك الشركات كثيرا حتى أن أحد عناصر هذه الحكومة اصطف إلى جانب إحدى الشركات وتظاهر معهم بالشارع العام، ونسي أن حزبه رفع مرارا شعار محاربة الفساد والغلاء، والغريب في الأمر أن كل هذا لم يؤثر على شعبية هذا الحزب، وفاز ب 125 مقعدا في انتخابات 2016، وحصل مرة أخرى على رئاسة الحكومة رغم ما عرفه تشكيلها من « بلوكاج » كاد أن يعصف بالتجربة، ومع مرور الوقت تبين أن الحزب الذي ظل المستضعفون ينتظرون تدخلاته لمحاربة الفساد، استفاد زعيمهم من تقاعد غير مستحق؛ وعوض محاربة الفساد وإلغاء الريع بكل أشكاله، الذي كان الشعار المركزي للحزب، حيث فضل « الزعيم » التقاعد غير المستحق، وبدأ يصوغ له المبررات، وأعطى بظهره إلى المستضعفين، وهو ما جعل العديد من المتتبعين يصفون الربيع العربي المغربي بالخدعة التي بلعها المستضعفون عن مضض، واستفاد منها حزب العدالة والتنمية.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية استغل أجواء الربيع العربي، وأصبح معظم عناصره من الأثرياء الجدد، فليعلم أن شعلة تلك الانتفاضات التي انطلقت أواخر سنة 2010 وبداية 2011 لا زالت مشتعلة، وستعرف لا محالة الطريق الصحيح لمعاقبة هذا الحزب في الانتخابات التي هي على الأبواب، كما ستعرف الطريق لمحاربة الفاسدين والمفسدين من جديد وبصيغ أخرى.