الميتافيرس ونظارات الواقع المعزز
عبد العزيز شبراط/ باحث في التكنولوجيا الحديثة
لمن لا يعرف الميتافيرس، فهو عبارة عن مصطلح ظهر لأول مرة في رواية الخيال العلمي » سنو كراش » خلال عام1992، وتشير العبارة عموما الى رؤية الانترنيت المتصلة بالواقع الافتراضي أو الواقع المعزز، يمكنك التجول على نحو سلس عبر الميتافيرس، والحصول على تجربة تفاعلية وفريدة من نوعها، بدلا من النقر والتمرير عبر صفحات الويب.
الميتافيرس هو مصطلح يُستخدم بشكل متزايد في عالم التكنولوجيا والويب، وهو يشير إلى الجيل القادم من الإنترنت وتطوره اللاحق، ويُعتبر تطورًا طبيعيًا للويب الحالي، حيث يهدف إلى توسيع نطاق الويب الحالي وتحسين قدراته بشكل كبير.
في الويب الحالي، يعتمد الاستخدام الأساسي على صفحات الويب التي تحتوي على نصوص وصور وروابط، بينما تهدف الميتافيرس إلى إضافة طبقة جديدة من الواقعية والتفاعلية لتجربة المستخدم على الإنترنت، و يتحقق ذلك من خلال توفير تقنيات متقدمة مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والويب الثلاثي الأبعاد (3D).
من خلال الميتافيرس، يمكن للمستخدمين الاستمتاع بتجارب متعددة الحواس وتفاعلية بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك عبر نظارات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) يمكن للأشخاص استكشاف بيئات افتراضية غامرة، مثل السفر إلى الأماكن البعيدة أو حضور الأحداث والمؤتمرات عن بُعد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام التطبيقات والخدمات الميتافيرس للتفاعل مع العناصر الافتراضية في العالم الحقيقي، مما يتيح للمستخدمين تجربة جديدة وتواصل محسّن، توفر التقنيات المتقدمة المستخدمة في الميتافيرس تحديثات هائلة في مجالات مثل الاتصالات، والتعليم، والتجارة الإلكترونية، والترفيه. يمكن للأشخاص التفاعل مع العناصر الرقمية بشكل أكثر واقعية وتأثيرًا.
منذ قرار مارك زوكربيرك بتغيير اسم فايسبوك الى ميتا، أعلنت الشركة أن هدفها هو بناء ما يعرف باسم العالم الموازي أو الميتافيرس، ويمكن وصفه بشكل موجز على أنه نسخة من الإنترنيت المدعومة بتقنية الواقع الافتراضي، وهو ما جعل شركة ميتا تنكب على تطوير نظارتها للواقع الافتراضي.
أعلنت أبل خلال مؤتمرها السنوي للمطورين wwdc 2023 المنعقد في 5 يونيو الجاري عن نظارتهاVision Pro التي تشبه نظارات التزلج المستقبلية المصممة بشكل مدهش، إلا أنها فضلت استخدام مصطلح الحوسبة المكانية بدلا من الميتافيرس التي تم إساءة استخدامها إلى حد بعيد من قبل من حاول بناءها، وعلى رأسهم فيسبوك الذي رسم للجميع أحلام وردية على أنه يكاد يقترب من السماح للمستخدمين بالدخول للإنترنت بالأفاتار الخاص بهم وفعل أي شيء عبر رسوميات عالية الدقة وسلاسة في الاستخدام وعوالم افتراضية أكثر من مذهلة يتم الوصول إليها عبر نظارة فيسبوك، ولكن كانت التجربة سيئة للغاية، حتى إن عدد المشتركين في الميتافيرس الخاص بـ ميتا (الشركة الأم لفيسبوك) ضعيف جدا.
لم يذكر تيم كوك الرئيس التنفيذي لأبل بشكل واضح كلمة ميتافيرس مرة واحدة خلال الإطلاق الذي استمر بعض الوقت، حيث أعلنت آبل بدلاً من ذلك، بزوغ عصر “الحوسبة المكانية”، الأمر ليس جديدا على الشركة ورئيسها التنفيذي، في لقاءات سابقة، أوضح تيم كوك إنه لا يحب استخدام كلمة ميتافيرس، ولا يعتقد أن لها أي معنى حقيقي كما أشار إلى أن الأشخاص العاديين لا يفهمون ماهية هذا المصطلح.
فضلا عن ذلك، يدرك الرئيس التنفيذي لآبل أن مؤسس فيسبوك يحتضن تلك الكلمة بالكامل بدءا من تغيير اسم شركته من فيسبوك إلى ميتا ثم الإعلان عن خطته لبناء الميتافيرس، لذا لم يرغب تيم كوك أو بالأحرى أن يبدو وكأنه يطارد فكرة شخص آخر ومع أن زوكربيرج فشل في بناء هذا العالم الموازي، واضطر بعدها إلى تقليص ليس فقط الميزانية المخصصة لهذا المشروع، ولكن قام أيضا بتقليل القوى العاملة خلال الفترة الأخيرة بعد الخسائر التي تكبدتها ميتا جراء السعي وراء حلم لم يتحقق بعد، أيضا لا تريد آبل استخدام كلمة ميتافيرس بعد خيبة الأمل والإخفاقات التي نالت من الميتافيرس الخاص بمارك زوكربيرج، حتى إنه خلال العام الماضي، انخفضت عمليات البحث عن الميتافيرس، لذا قرر تيم كوك والمسؤولون في شركة أبل الاعتماد على كلمة بديلة وجديدة تكون حكرا للشركة وهي الحوسبة المكانية عوضا عن الميتافيرس.
كانت ميتا (فيسبوك سابقا) واثقة جدًا من قدرتها على إنشاء عالم الميتافيرس، فكرة الإنترنت الغامر ثلاثي الأبعاد لدرجة أنها غيرت اسمها من فيسبوك في عام 2021، وبدأت في ضخ المليارات في هذا المشروع، لكن الفكرة لم تكتمل بسبب عمليات الإطلاق الزائفة والرسومات المراوغة وعدم وجود مسار واضح للربحية والشعور العام بأن قلة من الناس يعرفون ماهيتها.
هذا الأمر تسبب في خسائر بالمليارات؛ ولهذا قرر مارك زوكربيرج أن يتحول من الميتافيرس ليتحدث بشكل متزايد عن الذكاء الاصطناعي الذي بات أكثر شهرة حاليا بسبب روبوتات الدردشة والذكاء الاصطناعي التوليدي، ويمكن القول بأن الفرق بين ميتا وأبل عندما يتعلق الأمر بالميتافيرس، أن صانع الآي-فون لا يسعى لبناء نظام بيئي واسع النطاق بجهاز رخيص وهو ما تفعله شركة ميتا مع نظارتها كويست. ولكن تسعى آبل بدلاً من ذلك إلى تحقيق الدخل من مستخدميها عبر قسم فرعي مربح بالفعل يشمل الاشتراكات والبرامج ذات الهامش المرتفع.
تحب آبل وضع بصمتها على منتجاتها الخاصة، و تقوم بتسمية كل نظام أو جهاز وحتى الميزات تقوم بوضع علامة تجارية عليها، ولا تعتمد على مصطلحات معروفة بالفعل، على سبيل المثال، تقنية التعرف على الوجه في الآي-فون لم تُطلق عليها التعرف على الوجه بل قامت بتسميتها “Face ID” كما أطلقت على نظام الكاميرات وأجهزة الاستشعار التي سهلت ميزة Face ID اسم “TrueDepth”، بالإضافة لذلك، يتم الاستماع إلى الموسيقى بتقنية الصوت المحيطي Dolby Atmos في خدمة أبل ميوزيك، ولكن تطلق آبل على تلك التقنية اسم الصوت المكاني Spatial Audio.
هذا يعني أن آبل لن تتبنى مصطلح الميتافيرس؛ لأنه موجود بالفعل، ولهذا تحرص دائما على تجنب استخدامه وتبني مصطلح خاص بها مثل الحوسبة المكانية، أيضا هناك سبب آخر يدفع آبل لحظر استخدام الميتافيرس، حيث لا يصف هذا المصطلح نوع تجارب الواقع المختلط التي تسعى الشركة إلى بنائها للمستخدمين، حيث يهدف الميتافيرس إلى استبدال العالم الحقيقي بآخر افتراضي، هذا يتعارض مع ما تريده آبل والتي تهتم بإنشاء تجربة مفتوحة تتضمن ميزات من العالم الرقمي والحقيقي، ولهذا كان اهتمامها منصبا بشدة على الواقع المعزز مع اهتمام قليل بالواقع الافتراضي.
في مؤتمر المطورين وعند عرض الفجين برو Vision Pro، قامت آبل بمحاكاة العديد من لقطات الفيلم الشهير “Ready Player One” وهو الفيلم الذي يرسم بخيال كيف سيكون عالم الميتافيرس، هذا العالم الذي يسمى الواحة، إذا آبل لا تنفي أن هدفها الوصول إلى الميتافرس لكن بطريقتها.
في نهاية المطاف، يرى البعض أن الإعلان عن نظارة فيجن برو لآبل جعل ميتا تبدو مثل شركة بلاك بيري التي ذهبت إلى مقبرة التاريخ بعد تعنتها في تطوير الهواتف الذكية الخاصة بها، أما البعض الآخر، فيعتقد أن آبل قدمت رؤية قابلة للتصديق للإمكانيات طويلة المدى للواقع المعزز دون الحاجة للتطرق للميتافيرس. الأمر الذي فشلت ميتا في تقديمه للمستخدمين، في جميع الأحوال، لا يزال سعر آبل فيجن برو Vision Proمبالغ فيه، كما أن النظارة لا تزال في مهدها، لذا علينا الانتظار ورؤية ردود الأفعال بمجرد أن تصبح متاحة في الأسواق، ويقوم المستخدمون العاديون بتجربتها، حينها ستظهر التقييمات الحقيقية.
وبعد اعلان أبل على منتوجها الجديد Vision Pro و خلال اجتماع على مستوى الشركة مؤخراً، تحدث مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا (فيسبوك سابقاً)، عن نظارات أبل . ووفقًا لموقع The Verge، علق زوكربيرج أن نظارة آبل Vision Pro لم تأتي بأي “حلول سحرية” لم تفكر فيها شركة ميتا بالفعل. كما سلط الضوء على أن تكلفة نظارة Vision Pro أعلى بكثير من نظارة كويست 3 التي أعلنت عنها شركة ميتا مؤخراً في معاينة قبل الإطلاق الرسمي في وقت لاحق هذا العام.